"حسن صبيح"... الكاميرا البشرية التي حيرت المتلقي

كسار مرعي – الحسكة

لا يحتاج المتلقي إلى فترة طويلة من الوقت حتى يقع في الحيرة التي سبقه إليها الكثيرين، كيف لا وأول ما يتبادر إلى الذهن هو التشكيك في اللوحة الفنية، فقائلٌ يقول هي صورةُ فوتوغرافية وآخر يجزم أنها طباعة، وحيادي يراها من صنع البشر.

لكن الحقيقة تجزم أنها لوحةٌ فنية رُسمت بريشة مبدعٍ تجاوز كل الأعراف اللونية، فدقة اللوحة وتفاصيلها المتناهية، تأخذك لا محالة إلى عصر الصورة الرقمية، إلا أن الواقع من جهة وملمس اللوحة القماشية من جهة ثانية تعزز براعة الفنان الذي تحول إلى كاميرا بشرية تطبع الواقع على القماش.

"حسن صبيح" فنانٌ أبصر النور عام 1972 ، وتفتقت مواهبه مذاك؛ فكانت الطبيعة الحاضن الأول لها، وككل فنان أسرته جنان الجزيرة فراح يرسمها، إلا أنه تفرد في نقلها الواقعي، فلم يضفِ عليها زيادةً أو رتوش، لأنه يؤمن أن أي إضافة جمالية على الطبيعة قد تفقدها جمالها العفوي.

المفكرة الثقافية التقت الفنان بتاريخ 13 تشرين الثاني 2014 ليتحدث عن مسيرته فقال:

«الفن حالة جميلة ومتراكبة من الأحاسيس لا يمكن وصفها أو التعبير عنها، لكن الفنان الحقيقي يمتلك مساحةً خاصة به يمكن له التعبير من خلالها بصمت، هي اللوحة التي تتلقى عصارات الفكر الفني وتمازج الألوان، فتصدح بكل ما يجيش في صدر الفنان تصريحاً أو تلميحاً، خصوصاً إذا كان الفن من الواقع أو كانت الفكرة هي نقل الحقيقة المجردة، وهذا النوع لا يحتاج إلى تفسير أو شرح، فالواقع كما تراه على قطعةٍ من القماش، هنا تلعب مهارة الفنان وتمكنه من نقل التفاصيل دورها، لكن هذا الفن لا يخلو من المتاعب والشجون التي يصبها على الفنان، فقد يتمكن متّبعوا المدارس الفنية الأخرى من التورية أو الاستعارة الفنية إذا جاز التعبير، في حين تفرض قيود الصراحة ثقلها على ريشة الفنان الواقعي أو التصويري وهنا تكمن المسألة».

ويضيف: : «لكن من منظورٍ آخر قد يكون جمهور هذه المدرسة هم الأكثر، بسبب بساطة اللوحة الفنية، فهذا النوع من الرسم لا يحتاج إلى تفكير عميق لاكتشاف الرسالة، وما على المتلقي إلا أن يتمتع بجمال اللوحة ودقة الوصف، وفي هذا النوع من الفنون يكون التقييم فورياً؛ إذ لا يحتاج المشاهد لتحليل المضمون مطولاً، فالانطباع يكون فور وقوع البصر على اللوحة، وهنا تكمن خطورة هذا الفن؛ فقد يعزف المتلقي عن المعرض بمجرد لمحةٍ بسيطة وأولية، أما في حال كان الفنان متمكناً؛ يصبح وجه المشاهد مرآة الفنان الذي يقرأ من خلاله وقع لوحته عليه».

* الفن حالة من الاحاسيس المتلاطمة التي تتمخض عنها اللوحة فهل ينطبق هذا على الفن الواقعي؟

**الفن هو الفن أينما وجد وكيفما رُسم؛ والأحاسيس هي ذاتها في كل المناحي، لكن الفرق بين الإحساس وعدمه هو الروح التي تسكن العمل، فمهما كان العمل بسيطاً ومتقناً إلى حدٍ كبير، ولم يمتزج هذا العمل بروح الفنان التي تنطق من اللوحة، لن يكون هناك تفاعلٌ مع النتاج إلا كتفاعل المشاهد مع صورة فوتوغرافية، أي أن المتلقي لن يتساءل عن قدرة الفنان الخفية التي أسهمت في هكذا عمل، وأنا لا ارسم اللوحة إلا عندما أشعر أنني تشبعت بالأحاسيس، وهنا أطلق العنان للريشة لتعدو على اللوحة كيفما شاءت، ففي المحصلة ستنطق اللوحة التي كان مدادها إحساسي .

* غالباً ما يشك المتلقي أن اللوحة المعروضة هي صورة فوتوغرافية فهل هذا الأمر يزعجك؟

**على الإطلاق؛ بل أكون في غاية السعادة وأنا أراقب المتلقي لحظة الحقيقة، فتقاسيم وجهه تبدو غريبة جداً في اللحظة التي يقترب من اللوحة، إلى حدٍ يسمح له باكتشاف ماهيتها، وهنا تكون ردة الفعل لديه غريبة للغاية وهي التي أبحث عنها، وأكاد أجزم أن أغلب من يشاهد لوحاتي للوهلة الأولى يكرر المشهد الذي نفذه المتلقي السابق، وهذا ينسحب على كل المعارض التي شاركت بها.

أنا أعشق الفن الواقعي وأعتبره سيد الفنون، ففيه يمكن للفنان محاكاة الحقيقة، وبقدر تمكنه من الرسم وإظهار التفاصيل الدقيقة يكون قد اقترب من روح الواقع، أما في ما يخص المدارس الفنية الأخرى فلها مقوماتها وخطوطها، لكن من وجه نظري تسكن المدارس الفنية في قلعةٍ حصينة، لها بابٌ غاية في الضخامة والقوة هو باب الواقعية، وعلى من يريد الدخول إلى القلعة أن يستفتح الباب بريشة الواقع، فإن فُتح في وجهه فالطريق سالكة، وإلا فعليه القفز من فوق السور وهنا ستكون عواقب السقوط وخيمة».

* التحقت مؤخراً بكلية الفنون الجميلة بـ "السويداء"؛ ما الذي تنتظره من الكلية بعدما وصلت إليه؟

**الفن بلا علمٍ ومعرفة كالشجرة بلا ثمار، فمها أورقت وأخضرت لن يستفيد منها الناس كما هو الحال مع غيرها، والفنان ايضاً إذا بقي على ما هو عليه دون أن يعزز عمله بالعلم ويطّلع على تجارب الآخرين، سيبقى حبيس أفقه؛ ولكل إنسان أفقٌ محدود، وعليه أن يصهر حدوده مع حدود الآخرين ليتسع الفضاء أمامه، وها أنا الآن أدخل في العالم التجريدي من الباب العلمي، وبدأت بتجاربي المتواضعة، لكني سأفصح عنها في يوم ما بعد أن يكتمل المشهد.

* 100 لوحة واقعية وعشرات المعارض وكم هائل من الإطراءات؛ ألم تشبع طموحك لتحافظ على ما وصلت إليه؟

**غالباً ما تكون الإطراءات مقتل الفنان؛ فمن يقف عندها ويعتبر نفسه في القمة، فعليه أن يستعد للهبوط، أنا لا أنكر أن التخصص مطلوب وأن العالم بدأ يتجه إلى التخصص في الاختصاص، لكن لكي يحافظ المرء على مكتسباته عليه أن يوجد التنوع في حياته، وهذا ما أسعى إليه، فقد وصلت إلى ما أنا عليه بجهدٍ كبير أخذ مني عشرات السنين، ولا أريد أن أتراجع عنه قيد أنملة، كما أني أحاول أن أوسّع جمهوري، فهناك عدد من المتلقين يريدون أن يشاهدوني في الألوان الأخرى، وقد بدأت مرحلة جديدة ستبصر النور في قادم الأيام .