"الموسيقا الروحية"... عذوبة الألحان وصدق الكلمات

سمروعر - دمشق

الموسيقا لغة عالمية تخاطب حواسنا الداخلية وتخرجنا من عالم الواقع والروتين لتحلق بنا في عالم آخر خارج عالمنا الرتيب، وتعتبر الموسيقا الروحية واحدة من الأنواع الموسيقية التي تحتل موقعاً متميزاً من بين سائر أنماط المستعملات الموسيقية والغنائية السائدة بين الناس في سورية، لما تتفرد به من خصائص أهمها أن ممارستها تتم ضمن أجواء دينية تسودها الروحانية ، وتجللها مشاعر القداسة، وتسمو بالوجدان لأعلى الرتب والمقامات، إنها جماع الأساليب والتقاليد الغنائية التي ترتبط بالمراسيم الدينية وإقامتها، وهي لا تقتصرعلى ذلك ، بل هي تتجاوز نطاقها الزماني، وفضاءها المكاني لترتاد أجواء أرحب وأوسع».

وفي حديثنا اليوم عن الموسيقا الروحية في سورية يمكننا القول إن ولادة الموشحات كانت بمدينة حمص ، لكن مدينة حلب تبوأت مركز الصدارة الموسيقية منذ منتصف القرن الثامن عشر بفضل شيوخ المذاهب الصوفية الذين حفظوا الألحان العربية من أسلافهم، وحافظوا عليها وصانوها من الضياع، وأورثوها أهل الفن من بعدهم جيلاًبعد جيل، وقد بلغ فن الموشح العريق بنوعيه الديني والدنيوي الأوج على أيدي الفنانين الحلبين الذين هذبوا فيه حتى استقام لهم على الصورة المشرقة المعروفة اليوم بإسم " الموشحات الحلبية"، حيث تعتبر حلب عاصمة الموشح الثانية بعد غرناطة، إذ نشأ الموشح في الأندلس والتصق به حتى يومنا هذا، إلا أن انتقال "زرياب العباسي" من العراق إلى قرطبة كان له الأثر الكبير في بلورة هذا الفن بما حمله معه إلى هناك من عبق الشرق وأنفاسه وسحره».

وفي كتابة "الموسيقا في سورية " كتب "صميم الشريف": «ولدت الموشحات التي تنسب لمدينة حلب على يدي الشاعر الحمصي " أمين الجندي"، ولا تزال هذه المدينة العريقة حتى اليوم سيدة الموشحات على الإطلاق منذ انتقل إليها هذا الفن من غرناطة في الأندلس ويختلف الموشح  منذ بداية ظهوره عن الشعر بكثرة قوافيه وتعدد أوزانه، وخلوه أحياناً من الوزن الشعري واعتماده على الإيقاع الموسيقي ،وعلى أكثر من بحرومجزوئه، وعلى اللغة الفصحى وعاميتها في النظم، وعلى الأعجمية في جزء خاص منه وبصورة عامة فإن الموشح خرج به مخترعون عن الأوزان المتعارف عليها في الشعر بإدخال حركة أو كلمة في القفل».

ويعرف موقع" نهاوند" الموسيقي الموشح : « بأنه نوع من الغناء الجماعى المميز، لغوياً اشتق اسم "الموشح" من الوشاح وهو رداء موشى بالزخارف أومرصع بالجواهر، والمراد بالتسمية إضافة تغييرات على شكل القصيدة التقليدية، أما من حيث النظم تختلف الموشحات عن القصائد بتنوع الأوزان والقوافى ، وفى إشارة لاختلاف الموشح عن القصائد وصفه الشاعر" ابن سناء الملك" بأنه كلام منظوم على وزن مخصوص، وهى تجمع عادة خليطا بين الفصحى والعامية، ولحناً يتبع اللحن النظم بحيث يمكن أن تتعدد ضروبه وأوزانه ، وربما يسبق وضع اللحن نظم الكلمات فتصاغ على لحن موضوع سلفا».

يقول مطرب التراث "عبد القادر رشواني ":« الموشح عبارة عن قصيدة عمودية يشترط فيها الوزن والإيقاع والقافية مثل "كلما رمت ارتشافاً"، "أحن شوقاً إلى ديار رأيت فيها جمال سلمى" ».

ويضيف الباحث والموسيقي "عبد الحليم حريري": «الموشح أصله أندلسي وشهرته حلبي ،وهو يختلف تماماً عن الأندلسي الأولي البسيط، بأنه قالب لحني متغير ».

يعتمد تلحين الموشحات على ضروب معينة حتى اقترن اسم الموشح  بالضرب الذي يقوم عليه في الأداء، وعدد الضروب الأساسية عشرون ، والعاملون فيه موسيقياً يقولون أن عدد الضروب والأوزان يجب أن يساوي عدد أوزان الموشحات التي تتجاوز المئة، لأن لكل موشح ضربا يقوم على أساسه وزنه الشعري، ومن  الضروب الأساسية التي تتفرع  منها سائر الإيقاعات والأوزان"الخفيف ،الثقيل، الشنبر، المربع،الورشان، الفاخت ، المحجر، الرهج، المخمس، المصمودي، المدور، الستة عشرة والأربعة والعشرون ، الظرفات،الأوفر، السماعي، الحجر المصدر،السرابند، السماعي الثقيل، السماعي الدارج"، والموشح على نوعين"تام وأقرع ،التام ما ابتدىء به بالقفعل، والأقرع ما ابتدىء به بالأبيات والقفل أقفال ، منها ما ركب من جزأين أو ثلاثة أوأربعة أوخمسة أوعشرة أوأحدعشرجزءاً، ويفضل الوشاحون أن يكون القفل الأخير"الخرجة" الذي يطلق عليه باللغة العامية .

ارتبط تلحين الموشحات إلى حد بعيد بأقفالها وأجزاء أقفالها وخرجاتها، وبفقر أبياتها وأجزائها، والإلتزام بأوزانها وطرق نظمها، ويطلق اسم " البدنية" أو"الدور" على القفل في الموشح التام، وعلى هذه البدنية أوالدور يقاس تلحين الأقفال كافة، ويطلق اسم "الخانة " أو"السلسلة "أو "الدولاب "على الأبيات  التي تلي القفل، أما "القفلة "أو"الغطاء"فيطلق على القفل الأخير" الخرجة" التي تصاغ ألحانها وفق تلحين "البدنية" أو الدور.

درس الموسيقيون الحلبيون مذ انتقلت صناعة الموشحات إلى المشرق العربي الموشحات الأندلسية، فاتبعوا طريقة غنائها من دون إعتماد كبير على أسلوب نظمه ، فقطعوا الإيقاع الغنائي على الموشحات الشعرية ، وعلى الموشحات الأخرى التي لا تخضع لبحور الشعر،  ويمكن إيجاز قالب الموشح الحلبي إذا كان اللحن من الموشح " قفلاَ"، أو " أبياتا "بالآتي :

1-سمي القفل في الموشح " دوراً" أو بدنية .

2-تسمى الأبيات التي تلي القفل ب" الخانة" أو"السلسلة".

3-أطلق اسم " الغطاء" على "الخرجة" القفل الأخير .

أما  إذا كان الموشح كاملاً فيطلق على الأقفال كلها عدا الأخير منها دور، وعلى الأبيات اسم "خانة "أو" سلسلة"، وعلى القفل الأخير" الغطاء"، ثم طبقوا أسلوب الأندلسيين في تلحينها ، وخرجوا عليها في المقامات لتصبح على النحو الآتي :

1-تطابق ألحان الأدوار في الغناء ألحان الغطاء.

2-تطابق ألحان الخانات أو السلاسل ألحان الأدوار في مقاماتها أو في المقامات القريبة منها .

من أشهر الموشحات: « لما بدا يتثــنى ، ملا الكاسات، بالذي أسكر ، شادي الألحان ».

وتأتي قيمة الموشحات الفنية  كونها فن عربي أصيل يضم كنوز التراث الموسيقا العربى من المقامات والأوزان، وهى بمثابة مرجع كبير للموسيقيين والباحثين من حيث احتواءها على كم هائل من الجماليات الموسيقية،  كما ويعتبر تلحين الموشحات من أعقد المسائل التلحينية ولا يتصدى له غير كل قادر، وهو بذلك  محك حقيقا لإختبار قدرة الملحن، كما وتعد الموشحات من القوالب الغنائية القابلة للغناء الجماعي، ولذلك فهى قابلة للتداول والتوارث كخبرة من خبرات الشعوب ،بعكس الغناء الفردى الذى قد تضيع معالمه برحيل صاحبه، ويعتبر مجلد الموشحات بصفة عامة أساس من أسس الدراسة والتدريب العملى لمن يريد احتراف التلحين أو الغناء ، وبدونها سيكون كمن يحرث فى الماء ».

المراجع :

1-الموسيقا في سوريا " صميم الشريف ".

2-حلب المدينة الخالدة صادر عن هيئة الموسوعة العربية

3-موقع نهاوند الموسيقي: https://www.facebook.com/NahawandeGroupe

4-مقتطفات من بعض اللقاءات لمواد نشرت بموقع مدونة وطن