اللغة المسرحية .. بين التأصيل وإيصال المعنى (6)

كسار مرعي – الحسكة

تسقط العبارة المخادعة التي تقول "إن الجمهور لا يفهم"، فالنص المسرحي يُكتب ليُجسد قولاً وفعلاً على الخشبة المسرحية، هذا ما قاله الكاتب الكبير "فرحان بلبل"، فمن واجبات المسرح أن يدغدغ عقول وقلوب الناس، وإلا فلن يستحق أن يحمل اسم المسرح، وفي حال تم إعلاء هذا الشعار فهذا يعني أن الفجوة أخذت تتسع بين المرسل والمستجيب، وهنا يكمن مقتل المسرح.

ولا تقتصر نوعية المسرح على إرضاء فئة معينة من الناس، فالفئات البسيطة هم أيضاً من رواده، وإذا لم يلتزم المسرح بهذه الرؤيا فسوق يقتصر على صفوة الناس؛ من المثقفين والأدباء والمفكرين، ويبتعد عن السواد الأعظم للشعب، وفي هذه الحالة ستنتفي عنه الصفة التنويرية التي وجد من أجلها، لذا على المسرحيين أن يضعوا نصب أعينهم استقطاب نسيجٍ فسيفسائي يرتقي فوق الطبقية والنرجسية، ليكون مسرحاً جماهيرياً وشعبياً ونخبوياً في آن معاً.

وفي متابعته لرصد المسرح السوري يقول المخرج والمؤلف "إسماعيل خلف" في حديثه مع المفكرة الثقافية: «لعب لمسرح السوري في حقبة الصراع بين اللغة الفصحى واللهجة العامية دوراً بارزاً وموضوعياً، فقد استطاع أن يحدد مكانه وهويته وأن يضع بصمته الفنية، في وقتٍ تلاطمت فيه أمواج المعارضين والمؤيدين للغة واستخداماتها، ومن بين المسارح التي برزت آنذاك المسرح العمالي في حمص "فرقة فرحان بلبل"، الذي كان له رأيٌ في استخدام اللغة حيث قال : نرفض العامية ونعتمد اللغة الفصحى، لأن الأولى لا يمكن لها أن تخلق تراثاً مسرحياً، ومن تلك الأمثلة "المسرح المصري العامي"، الذي نشأ واتسع في الستينيات من القرن الماضي، لكنه سرعان ما ذهب ادراج الرياح؛ بعد سنواتٍ قليلة من اتقاد جذوته، وقد كان استخدام اللهجة العامية وراء هذا الهبوط السريع، وأصبحت مشكلة الكاتب المسرحي بعدها تكمن؛ في كيفية اختيار اللغة الفصحى التي تستطيع أن تحقق مفهوم اللغة المسرحية، وكيف يجعل شخصياته تتكلم في النص بصورةٍ متمايزة؛ حسب انتمائها الطبقي والاجتماعي والثقافي والفكري».

«اللغة الفصحى واللهجة العامية في المسرح العربي كانت وستبقى من أهم المشاكل؛ التي تعترض طبيعة العمل المسرحي، وتجدر الإشارة إلى أن إثارة مثل تلك القضايا على ما تدلل عليه من مشكلة حقيقية، فهي في الوقت نفسه تعني أن مسرحنا يعيش حياة صحيحة وصحية، وفي الوقت الذي سيتوقف فيه الجدال ويلتزم الجميع برأي قاطع، نكون قد وصلنا إلى مرحلة الجمود والتوقف، لأن اللغة تعتبر الحامل الأول للمضمون؛ ولهذا فإن موضوع المسرحية هو الذي يفرض لغته وأسلوب البناء اللغوي، ومن هذا المنطلق يمكن القول أن اللغة الفصحى واللهجة  العامية متلازمان سيبقيان ما بقي المسرح، وأعتقد أن المشكلة ليست في كون اللغة عامية أو فصحى؛ بل في كونها لغة مسرحيةً أم لا».

يتابع "بلبل": «أود أن أذكر أن العروض المسرحية كانت وما تزال تنقسم إلى قسمين، الأول هو ذلك النوع الخفيف المضحك؛ الذي يراوح بين المسرح التجاري وبين المسرح الضاحك، وهذا النوع من المسرح لا يليق به إلى اللهجة العامية، لأنه الأقرب إلى تركيب المشاهد التي تتلقط بعض مظاهر الحياة، والقسم الثاني هو المسرح الذي يعتمد على ما نسميه "الأدب المسرحي"، سواءً كان النص الذي نقدمه عربياً أم أجنبياً، وهذا النوع لا يليق به إلا اللغة الفصحى، وإذا لم نكتب ونقدم مسرحياتنا بالفصحى، فهذا يعني أننا لن نخلق أدباً مسرحياً تتوارثه الأجيال، ولن نتمكن من خلق تراثٍ مسرحي عربي، كما هو الحال عند بقية الأمم التي تفخر بتراثها المسرحي».

يختم "بلبل": «عندما يكتب مسرحيونا مسرحياتهم بلغةٍ مسرحية جميلة، فسوف تكون اللغة الفصحى مُعيناً كبيراً لهم للنفاذ إلى الجمهور، وتساهم بشكلٍ كبير في الارتقاء بفن المسرح؛ أما عندما نكتب بلغةٍ أدبية بعيدة عن خصائص لغة المسرح، هنا ستكون اللغة الفصحى ثقيلةً على القلب؛ بعيدةً عن لغة الحياة، وليس أسلوب اللغة هو من يحدد حلاوة اللغة الفصحى على المسرح أو غلاظتها، بل إن اسلوب الإلقاء والتقديم هو الذي يلعب الدور الأهم».

المراجع:

* صحيفة الجماهير 3/3/1987

* مجلة الكفاح العربي العدد 229 - 20/7/1992

* مجلة الكويت العدد 192 - 1/10/1999