التشكيلي "رامي صابور" وصخب الألوان

شادي نصير
لأعماله التشكيلية موسيقاها الخاصة، ولأدواته الفنية إحساسها المختلف، والذي يميزه عن باقي فناني جيله ممن أسسوا لحركة جديدة بعد تخرجهم من كلية الفنون الجميلة، في العام "2003" أننا  نراه يضج بألوانه على قماش اللوحة ليقدم مختصراً لتاريخ وسيرة إبداعية متجددة.

إنه الفنان "رامي صابور" وبكثير من الإحساس العالي بالكتلة ومفهوم الحالة التجريدية في العمل الفني، والخاضع لدراسة تشكيلية وبحثية عميقة في ماهية اللون، وتركيبه، وإضاءته، يقدم قراءته للتشكيل وللطبيعة من حوله بتنسيق عالٍ وبألق مختلف.
الفنان "صابور"، ينكفئ على الذات، ويعبر عنها بتعبير عفوي يتجلى في الطبيعة، بكل مقوماتها، فنرى في أعماله رغم تجريديتها، الحقول المملوءة بالمحاصيل، وكروم العنب، والغابات الخضراء، وأفق البحر الممتد إلى النهاية، وذاكرة الطفولة التي ينقلها الفنان بإحساس عالٍ، ومصداقية لا متناهية وكأنك أمام حدث تسجيلي توثيقي.
في أعماله نوع من العراك الجميل في اللون، عراكٌ يحمل الكتل الإبداعية لتكون حدثاً له انطلاقته وركنه الخاص، فمع كل التضاد الذي يهواه الفنان "صابور"، إلا أن سحراً من نوع خاص يجعل المتلقي يبحر في عالمه، وكأنه يستمع لموسيقا "بيتهوفن أو موزارت"، فتبرز الغابات ككتل باسقة، يلاطمها الموج، ويسيطر على الحدث شفافية روحه الخاصة.
إنه يجسد في بعض لوحاته نوعاً من العوالم التي تتداعى فيها الحياة، وتتحول إلى سراب، ولكنه يسيطر عليها من خلال أفق ممتد بصفاء، وبنوع من الصوفية المحتمة لألية العمل ولرونقه، ولرسالته التي يريد أن يقدمها.
في أعماله تستطيع أن تستمع لحوار الألوان مع بعضها، لخيالها الجامح وكأنك تقرأ رواية تعيش العالم الخيالي من الرومنسية والشغف بكل ما هو جميل، ولتؤسس لنفسها زاوية خاصة، مملوءة بالذاكرة التي تستمد من التاريخ وترتكز على واقع الحياة، وتنبئ بالمستقبل.


إنه يعكس نوعا من الحالات الإنسانية، فنراه يلتقط الحدث المعاش  ويحوله إلى زخم لوني مبهر في تفاصيل كثيرة منه تزدحم الألوان، وتتصارع لتقدم في نهاية الحالة قصة يستطيع المتلقي أن يقرأها برؤيته وهذا ما يسعى إليه الفنان أن تكون أعماله هي قراءات كثيرة لأحداث عديدة يعيشها الناس في حياتهم اليومية.
رغم كل هذا الألق اللوني لا بد من وجود مساحات تحمل ما في نفس الإنسان من حزن، وألم، فالصخب اللوني يعيش في لوحاته كل تناقض الحياة السعيدة والحزينة، ولا بد له من متنفس خاص ومساحة خاصة.
ومن الصعب أن يكون هناك عمل للفنان "صابور" لا يحمل القيم الإنسانية المشبعة بالحنين والمستقاة من الذاكرة الموغلة في الأمكنة، فأشجاره على اختلاف تكويناتها، تحمل ذاكرة من مروا على هذه الأرض، تحمل موروث المدن التاريخية وحضارة الأجداد ولكن بمفهوم جديد تندمج كل القيم والأشكال فيه بضوء لوني ومساحات تجريدة.
ولا يغيب البحر في لوحات الفنان "رامي صابور" عن المشهد البصري، فلا بد لكل عمل أن يحمل من صفات البحر، من ألوانه، من آلياته ورؤاه، جزءاً صغيراً حيث يرى في الطبيعة جواهر لونية،فيشدك مشهد البحر الهائج في زرقته وكأنه يريد أن يبتلع كل ما حوله، ويجذبك جذع شجرة أصفر صغير يصارع هذا الأزرق الكبير لا بل يكاد أن ينسيك الأزرق الكبير.
الفنان التشكيلي "رامي صابور" يهوى التضاد اللوني بين البارد والحار، وهذا التضاد الذي يقبل بعضه على مساحات قماشه، ما هو إلا حالة خاصة تميز الفنان سواء بأسلوبه الفريد في التشكيل، أو أدواته المختلفة في طرح الحوار اللوني التشكيلي، والتي لها صداها في التشكيل السوري والعالمي
فهو صرخة في عالم اللون، وثورة في الحركة التشكيلة التي لها زخمها وعالمها الذي يتبلور من خلال التجارب التي ترسخ ذاكرة الحياة عند المتلقين والمهتمين في عالم التشكيل.