الأدب الشعبي الساخر في جبل العرب

معين العماطوري - السويداء

يعد الادب الساخر من اصعب الفنون الادبية في انتقاء الأحداث والشخصيات ومعالجتها درامياً ضمن قالب تأليف فني لجنس ادبي معين، ولدى الأدباء والكتاب رؤية في هذا النوع من الأدب القائم على الفكاهة والضحك.

حول الأدب الساخر في جبل العرب التقت المفكرة الثقافية بتاريخ 6 كانون الأول 2014 الباحث والأديب "فوزات رزق" عضو اتحاد الكتاب العرب فقال: «قبل الحديث عن الأدب الشعبي الساخر في جبل العرب لا بد أن أشير إلى أن هذا الشعر يستخدم الألفاظ النابية أحياناً كما يتطرق إلى مواضيع يترفع البعض عن سماعها وذلك لأننا أمام إرادتين في الأدب الساخر، إرادة الشاعر الساخرة، وإرادة المتلقي الجادة، وبين هاتين الإرادتين يحصل التباين. ومن الطبيعي ألا نطلب من الشاعر الساخر أن يعقد ما بين حاجبيه ويتخذ هيئة امرئ القيس وينشد:  "قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل"، وعليه فيجدر بنا ألاً أن نتحدث عن أهمية الفكاهة والمرح في حياة الإنسان باعتبار الأدب الساخر وسيلة من وسائل الفكاهة التي تريح النفس من أعباء الحياة المتشعبة، وباعثاً هاماً من بواعث المرح الذي يسمو بالنفس الإنسانية، ويبعدها عن الضغائن والأحقاد. كما لا بد لنا أن نتحدث عن دوافع الأدب الساخر، ونذكّر بأعلامه في الأدب العربي قديمه وحديثه، وعليه فإن الجدية المطلقة تقتل الحياة وتجعلها جحيماً لا يطاق، إذ لا نستطيع أن نتصور حياة كلها عمل وكدح وشقاء، كما لا يمكننا أن نراها عمل فكر وتقطيب جبين، فالبسمة تبعث الأمل في النفس، وتجعل الحياة جميلة على الرغم من الشقاء الذي يعانيه الإنسان. ألم يقل "إيليا أبو ماضي":

أيهذا الشاكي وما بك داء    كيف تغدو إذا غدوت عـــليلا

أيهذا الشاكي وما بك داء   كن جميلاً تر الوجود جـــــميلا

والذي نفسه بغير جمال     لا يرى في الوجود شيئاً جميلا

وإذا كان الجهد الذي تبذله عضلات الوجه أثناء العبوس أضعاف الجهد الذي تبذله أثناء الضحك، فلمَ يفوت الإنسان على نفسه فرصة الضحك، ونحن نعلم أن الضحك بحسب علماء التشريح  ينشط عضلة القلب، ويزيد من قدرتها على ضخ الدماء إليه. وفي دراسة حديثة أكد علماء التشريح أن التقطيب المستمر يشكل تغضناً في الوجه ما يساهم في الشيخوخة المبكرة».

وتابع : «إن المجتمع الجبلي فيه من المرح وحب الحياة بقدر ما فيه من الجد واحتساب مفاجآت الأيام. وقد عكست أمثالهم وكناياتهم حبهم للمرح، ومقتهم للعبوس والكدر، فوصفوا الرجل المرح بقولهم: " ما بيخلي هم على القلب"، كما وصفوا السمح بقولهم " فلان وجهه ضحوك"، ودعوا لصاحبه قائلين "ألله يسعدله هالوجه"، مثلما هجوا صاحب الوجه الكالح بقولهم: "الوجه المقت الله لا يسعدله وقت"، ووصفوه بقولهم : "وجهه ما بيضحك للرغيف السخن". وبالغوا فقالوا : "وجهه بيقطع الرزق"، وزادوا في مبالغتهم فقالوا: "وجهه عبيكت سم" كناية عن ثقل عبوسه، ودعوا إلى الضحك فقالوا: "ضحاك بتضحكلك الدنيا ، ابكِبتبكي وحدك"، وحثوا على الاستمتاع بالحياة وعدم تفويت أية فرصة إلى ذلك فقالوا: "ساعة البسط عمرك ما تفوّتها"، والفرح عندهم أولى أن يحتفي به المرء فيما لو حدث طارئ، فتراهم يقبلون على الفرح في الأعراس حتى لو صادفهم مأتم ، ومقولتهم في ذلك : "الفرح مبدّى على الكره". ولذلك تمنوا أن يدخل الفرح كل بيت بقولهم : "الفرح الله لا يخليه من دار حدا"، وهم يأخذون على من يلازمه الهم والغم قائلين: "نص الألف خمسمية" أي مهما حسبت وفكرت ودبرت فالنتيجة معروفة ولا فائدة من الكدر وإشغال الفكر، وحثوا صراحة على الفرح والمرح، وأن الحياة لا تستقيم بالجدية المطلقة إذاً فلتكن "ساعة لقلبك، وساعة لربك"، ومن الواضح أن ساعة القلب هي ساعة الفرح والانشراح، والمعجم الجبلي غني بمادة "ضحك" بمعانيها الحقيقية والمجازية، فللتعبير عن حالة الضحك يقولون: "فرط من الضحك، وغشي من الضحك، وغشغش من الضحك، وفرشت خواصره من الضحك" أي ضحك ضحكاً متواصلاً، و "فقعها ضحكة" أي ضحك لأمر طارئ، "وأخذها بالضحك" إذا لم يهتم للأمر، وقد يخرج الضحك في المعجم الجبلي عن مقتضى الظاهر إلى معنى مجازي، فهو بمعنى الإهمال واللامبالاة في قولهم: "كل شي ضحاك عليه بيضحك عليك"، وهو بمعنى الخداع في قولهم: "فلان ضحك عليي" أي خدعني، وبمعنى السخرية في قولهم "شي بيضحك " للأمر الذي يثير سخريتهم، وبمعنى الكذب: "فلان ضحك على فلان" أي لم يفِ بوعده معه ، ومنه قول الشاعر في قصيدة السحجة والحاشة :

يا كله ضحك عادقنك    والله ما تشوف المصرية

وبمعنى الممالأة والمداهنة في قولهم : "بوس اللحى ضحك على الدقون " . وبمعنى الجذل في قولهم : " فلان عبيضحك كله سوى". وبمعنى الخوف في قولهم: "ضحك ضحكة صفراوية"».

ثم تابع عن السخرية: «لا تخرج في دوافعها ووسائلها وأساليبها عما هي عليه في الأدب الفصيح، ولن أتطرق إلى الناحية الفنية في هذا النوع من الشعر الذي يحكمه ما يحكم غيره من الشعر الشعبي من حيث السوية الفنية التي تتفاوت بين شاعر وآخر. وسوف أستميح القارئ العزيز عذراً أنني سأنقل الشواهد كما هي بألفاظها الفجة أحياناً إذ أنني لو بدلت بها ألفاظاً أكثر تهذيباً لذهب بهاؤها ورونقها ، وستكون لغة خالية من البهجة والطرفة، ولهذا الشعر أشكاله التي اتخذها وأنماط صيغ بها، وله شواغله، إذ تعددت شواغل هذا الشعر حيث تناولت الهجاء والشكوى والتندر ببعض الشخصيات، وإماطة اللثام عن بعض العيوب الاجتماعية والصفات المذمومة، وغير ذلك من الأغراض، كذلك الهجاء بأنواعه الاجتماعي والسياسي والتندر الذي تناول هجاء شخصيات من المجتمع.

فهذه مجموعة من الشعراء تتندر بدمامة امرأة اسمها "دلّة"، وقد اشتركوا جميعهم على تأليف هذه القصيدة الطريفة، مبتدئين بوصف الركاب كما جرت عليه عادة الشعراء الشعبيين في مفتتح قصائدهم فقالوا :

يا راكب المهجّــــــرة    ومن الثلاثي مكســرة

يا بلوتي بيدلـــــــــــة       بلوة عرب باكل الذرة

بلوة عرب بحراث بقر    يا كل شغلا بالجـــــكر

والحمد لله والشــــــكر     والمونة عنا مسوكرة

ومن الدوافع أيضاً دافع الشكوى من الظلم والحيف بأشكاله المتنوعة، والدوافع  القروية، ودوافع المزاح والمناكفة، وكذلك هناك أشكال السخرية في أدب الجبل الشعبي  مثل الحوار، وهو إما حوار شعري، ومثاله ذلك الحوار الذي جرى بين أحد الشباب وإحدى الفتيات، فقد أراد الشاب أن يتندر من الفتاة فقال مخاطباً إياها:

عصديرك مزروع البن     وغنى فوقن هالكنار

يا غبنــــن لولا مـا هن      كبار كبار كبار كبار

فردت عليه الفتاة قائلة:

كبار والله يـــخليهن          وأني بتغاوى فيــــــهن

وهلي ما بيستحليهن    حمار حمار حمار حمار

كذلك هناك النقائض وتأتي على شكل أغانٍ يؤديها زوج وزوجة مفترضان، والمناظرة، والتسلية في الأعراس، والمناكفة بالعتابا، واتخاذ قصيدة التفعيلة شكلاً».