"أنور رشيد"... الابداع النحتي وسر الماكيت

نورس علي - طرطوس

تجربة جديدة قدمها النحات "أنور رشيد" ابن محافظة البازلت "السويداء"، على الخشب بكتله وأحجامه الكبيرة، فكانت غنية بمكتسباتهاالفنية، لأن التجربة لديه ليست وليده لحظة، وإنما مستمرة منذ عام 1983.

فقبل البدء بالعمل النحتي كان الماكيت جاهزاً بين يديه، وقد عبر عنه الفنان "أنور رشيد" خلال ملتقى النحت على الخشب الذي أقيم في "طرطوس" في شهر أيلول 2014، بأنه شكل امرأة تجسدت عليه بحركة تعبيرية وسطوح مبسطة، ليكون الخطوة الأولى والخطوط العريضة للشروع بالعمل، حيث انتقل بعدها إلى الكتلة الخشبية الضخمة ليوظف أفكاره الابداعية عليها وينقل فكرة الماكيت إليها، لأنه يرى بأن الفنان لا يمكن أن يبدع عملاً جديداً دون هذا الماكيت، خاصة وأن الفنان يتمتع عموماً بذاكرة قوية يسترجع معها مخزونه الفكري والبصري بأية لحظة عمل حقيقية لأي عمل جديد وبسرعة هائلة وبزمن قليل .

وهذا ليس كل شيء بالنسبة للماكيت لأن فيه فسحة في إحدى الزوايا لا يقترب منها ولا يشتغل عليها، لتكون مساحة للإبداع بالنسبة له في العمل الواقعي على الكتل الضخمة.

التأقلم مع طبيعة الكتل النحتية أمر مهم لتحقيق الإبداع خلال مراحل العمل الفني، خاصة وأن الفنان "أنور" اعتاد على كتل البازلت دونما الخشب، وهنا كانت في عمله الجديد كتلة خشبية من خشب الصنوبر، فتعامل معها بكل حرفية فنية، فأبدع متناغم مع الحجم والارتفاع الكبيرين، وهنا قال للمفكرة الثقافية "eCal" بتاريخ 16 تشرين الأول 2014: «بالعموم أنا معتاد على الكتل البازلتية دوماً، وأهتم بالبحث الفني تشكيلياً بالمرأة وإشكاليتها ومتاعبها وهمومها، فأعمالي بالبازلت واقعية أكثر منها تعبيرية، كما في هذا الماكيت، لأن البازلت يحتمل التوظيف الواقعي أكثر من الخشب من خلال الفراغات.

والعمل الذي قدمته في "ملتقى النحت على الخشب" كان بطول حوالي 235 سنتيمتر، وهو عبارة عن امرأة بحركة تعبيرية، وأكدت خلاله على الفراغات الهوائية، لأنها تمنح العمل النحتي الخفة، وتسمح بمرور الضوء خلالها فتوحي بهيبة العمل وحيويته، وهذه الفراغات على الكتل الخشبية ممكنة جداً لأن طبيعة وتكوين الخشب يحتملها.

ولو أردت الحديث بتفصيل أكثر عن هذه الفراغات في مشروعي النحتي خلال الملتقى أقول، أني وظفتها توظيفاً متقناً، ففي أسفل العمل كان الفراغ واسعاً وطولانياً ومخترقاً له، مما منحه طول وامتشاق وشخصية متميزة، أما الفراغ في الأعلى فكان صغير مقارنة مع الذي في الأسفل، لأن بتوظيفه ضمن العمل كصدر للمرأة لا يحتمل الحجم الكبير، ولو حاولت ذلك لتسبب بثقب العمل فتضيع الفكرة».

الابداع في العمل النحتي الذي قدمه النحات "أنور" تجسد باختصار أشياء وتفاصيل كثيرة والاستعاضة عنها بالإيحاء لها، ومنها ما هو إيحاء لليدين وإيحاء للقدمين وإيحاء للصدر مثلاً، وهذا لم يتم بشكل عبثي، وإنما ضمن دراسة حقيقية للنسب والتناسب بالشكل العام للعمل، فالأسلوب التعبيري برأيه لا يحتمل التفاصيل الكثيرة، لذلك أعتمد على الاختصارات في تلك التفاصيل.  

التجربة الجديدة للنحات "أنور" على الخشب كانت وفقاً لحديثه تجربة ممتعة، حيث انتقى جذعاً من خشب الصنوبر له أبعاد أرادها لتتناسب مع حجم العمل، فيكون ناجحاً بكل المقاييس، وعمل أيضاً على الخطوط الخارجية، لأن عدم وجودها يعني أن هناك ضياع في الفكرة، كما أن هذه الخطوط الفنية المنحنية والدائرية والملتفة لها من الأهمية الشيء الكثير، فهي تستمر حول العمل بشكل كامل، إضافة إلى أنها جاذبة للمتلقي، فتجعله يلتف حول جميع جوانب العمل ليدرك فكرته، علماً أنه يوجد بعض الفنانين لا يهتمون للخط الخارجي.

يشار إلى أن النحات "أنور رشيد" من مواليد محافظة "السويداء" وخريج "كلية الفنون الجميلة" قسم النحت عام 1983.