أقلام- نجاة قصاب حسن- مجلة المعرفة

 

eSyria

 

إعداد الدكتور مهيار الملوحي

صدرت مجلة المعرفة في دمشق في آذار عام 1962 وكانت مجلة ثقافية شهرية تصدر عن وزارة الثقافة والإرشاد القومي، وكان رئيس تحريرها فؤاد الشائب (1911-1970) وهي من المجلات التي مازالت تصدر حتى الآن دون توقف. وقد تراوح عدد صفحات المجلة ما بين (160-350 صفحة في بعض الأحيان)، وتنوعت الأقلام والمواضيع في هذه المجلة، واستقطبت خيرتها في جميع الاختصاصات الفنية والأدبية والتاريخية والاجتماعية والتربوية الخ.. ومن هذه الأقلام المحامي نجاة قصاب حسن (1921-1997) الذي ولد في دمشق، وتلقى علومه الأولية فيها وحصل على شهادة دار المعلمين الابتدائية عام 1942، وصف المعلمين العالي، وهو مجاز في الحقوق منذ عام 1945، وترأس تحرير مجلة نقابة المحامين بدمشق (المحامون) وتقلد عدة وظائف ثقافية في وزارة الثقافة منها: مدير مركز الفنون الشعبية ومدير مديرية الفنون، كما أدار وأسس مديرية المسارح، ومارس المحاماة، وقدم بعض البرامج الإذاعية في إذاعة دمشق، مثل برنامج (المواطن والقانون)، كتب ونشر المقالات العديدة السياسية والأدبية والثقافية والقانونية في الدوريات السورية والعربية، وله زاوية شهيرة بعنوان (بالعربي الفصيح) ووقع مقالات عديدة في جريدة (الرأي العام) لصاحبها أحمد عسه باسم (فصيح) وله العديد من المؤلفات والكتب المترجمة، وضع سبعة فهارس سنوية لمجلة (المحامون) وكتابين يضمان القوانين والاجتهادات في موضوع الأحوال الشخصية للطوائف غير المسلمة. في العدد السادس من مجلة (الثقافة) الصادر في آب عام 1962، ومما كتب تحت عنوان (تأملات في آداب النقد المسرحي) ما يلي: 1- قضايا النهضة المسرحية: "في ميدان النهضة المسرحية سبع قضايا كبيرة تطرح نفسها معا، ولابد من التوفر على حلها في نفس الوقت هي: صالات المسارح، النصوص المسرحية والبرنامج السنوي لأية فرقة، لغة المسرح، المؤلف المحلي، الممثل وثقافته، الجمهور وشباك التذاكر، النقد والنقاد، قلت إنه واجبة الحل في نفس الوقت لتساويها في الشأن ولأن إحداها لا تنتظر الأخرى، ولكنني لم أقل إنه تحل مرة واحدة، فمن المؤكد أن سنين كثيرة بل عشرات السنين، سوف تنقضي قبل أن نكون وجدنا لها جميعا الحل الذي يرضينا، وهذه البلاد التي تقدمتنا بمئات سنين في ميدان الفن المسرحي (فرنسا، إنكلترا، روسيا، ألمانيا، تشيكوسلوفاكيا وغيرها) لا تزال حتى الآن تطرح هذه القضايا معا ثم لا تفرغ منها. وقد سمعت في (براغ) مناقشة في المسرح بين المؤلف المسرحي وعدد من رواد المسرح قابلوه بعد أن رأوا روايته التي اقتبسها من رواية أخرى، وكان موضوع النقاش: أين المؤلف المحلي؟ وسمعت بجدل حول عدد المقاعد التي يجب أن توفر في مسرح هل هو 800 أو 1500؟ وقرأت ولا أزال عن مناقشات حول لغة المسرح، وهل هي الفصحى (أية فصحى في أية لغة) أم لغة الحوار اليومي، وتابعت الأبحاث الإنكليزية حول أفضل الأساليب لجلب الجمهور إلى المسرح أمام مزاحمة السينما والتلفزيون، إلى غير ذلك من المسائل التي نعانيها نحن ولكن بمقياس مصغر، مقياس المبتدئين، على أنني من قبيل التركيز على موضوع واحد، أولا، حتى تتاح له معالجة شبه وافية، ولمواجهة سيل المقالات النقدية التي رافقت موسمنا المسرحي الأول، من الناحية الثانية، سأقصر بحثي اليوم على موضوع النقد، إن هذا الموضوع قد بدأ يفرض نفسه علينا ولو كان البحث فيه لا يحل المشكلة، والأفكار التي سأعرضها في هذا الصدد وأعتبرها أساسا للمناقشة العامة المرجوة، على اعتبارها وجهة نظر رجل هو، بحكم المنصب الرسمي، أحد المسؤولين عن خطة النهضة المسرحية، لا وجهة نظر رسمية. 2- خطورة شأن النقد: يجب أن نعترف أولا بأن الناقد- مهما كان فحوى مهمته مما سيأتي البحث فيه- رفيق لا يستغنى عنه للفنان المبدع فهو بحكم ثقافته الفنية المفترضة أقرب الناس إلى فهم دقائق العمل الفني، وإلى شرحه للجمهور، وإلى إبداء الرأي في مستواه، ولفت نظر الفنان الممتلئ بنفسه وإنتاجه إلى مالا يمكن أن يراه، إلى وجهة نظر المتذوق والجمهور، وإذا كان الفن المسرحي، بوجه خاص، فن جماعة، لم يكن في وسع أي من المشتغلين في ميدانه أن يرى الأمور من وجهة نظر فردية، وإذا كان الرسام يستطيع أن يثبت انفعاله على اللوحة كما يشاء تاركا للناس أن يحبوا أو لا يحبوا، أن يفهموا أو لا يفهموا، فإن المؤلف المسرحي والمخرج والممثل وكل الجماعة الفنية المتكاملة التي تعمل حول هؤلاء لا يمكن لهم أن يتخذوا من الجمهور هذا الموقف المتميز بعدم المبالاة، إن الرواية إما أن تنجح أو أن تسقط في نظر الجمهور، وعلى الفنان المسرحي– أيا كان اختصاصه- أن يبدي أشد الاهتمام لرأي الجمهور والفئة المتميزة من هذا الجمهور بوجه خاص، أعني النقاد المسر حيين. ومن المؤكد أن الفنانين، بحكم آدميتهم وما فيها من ضعف، يضيقون بالنقد القاسي ويحبون، في أعماقهم، أن يسمعوا الثناء ويشموا رائحة البخور، وقد يتمنى الفنانون في وقت من الأوقات لو أن الدنيا خلت من النقاد، من هذه الزمرة (المزعجة) التي تعطي لنفسها الحق في صنع الصحو والمطر، في أن تشيل العمل الفني فترفعه إلى أعلى عليين أو أن تهبط به إلى أسفل سافلين، ولكن هذا الموقف الانفعالي- وكلنا نقع فيه- ليس موقفا صحيحا ولا ذا فائدة ، فالناقد يوجد حيثما وجد الفنان المنتج، بنوع من التلازم المحتوم والمفيد، وعلى الفنان أن يجعل هذا في حسابه، وأن يحسن الإصغاء إلى كلمة النقد، وألا يستسلم إلى راحة الثناء، ولا يتخاذل أمام الألم من نقد ظالم: وليتذكر دائما كلمة بنديتو كروتشة: (ليس في وسع أي ناقد أن يخلق فنانا من إنسان غير فنان، كما أنه لا يسع أي ناقد أبدا أن يهدم أو يصرع فنانا حقيقيا أو يمسه بأذى ولو خفيف). 3- مهمة الناقد: والأمر في النقاد مختلف، فمن الناس من يعطيهم موقف المربي والمشرف والمشرع والرسول، ويجعل في أيديهم أن يضعوا القواعد التي يجب أن يلتزم بها الفنان، ويقول كروتشة في هذا الصدد (ينظر الفنانون في أغلب الأحيان إلى الناقد نظرتهم إلى مرب صعب المراس طاغية يصدر أوامر غريبة فيمنع شيئا ويسوّغ آخر، ويكون لآثارهم مفيدا أو مضرا تبعا لما يشاء هواه أو يفرض عليها من مصير، ولهذا السبب ترى الفنانين إما منحازين إلى جانبه، خاضعين له، أذلاء أمامه، يدارونه ويتملقونه وإن كانوا في أعماق قلوبهم يمقتونه، وإما إذا لم يصلوا إلى غاياتهم أو كانت نفوسهم الأبية ترفض أن تهبط إلى مستوى المتملقين والمتزلفين، أن يثوروا عليه وينكروا عليه أية فائدة، ويحرموه، ويسخروا منه ويشبهوه (كما فعلت) بحمار دخل إلى دكان خزاف وأخذ بتحطيم الآثار الفنية المرهفة.. ومن الناس من يعتبر الناقد حاكما أو قاضيا، يسند إليه واجب التميز في الفن الذي تحقق ليقدس الجميل ويجحد القبيح بأحكام صارمة منصفة معا. ومن الناس أخيرا، من يجعل النقد مجرد شرح أو تأويل قصارى عمله أن ينفض الغبار عن الآثار الفنية، ويخرجها إلى النور، ثم يقف عند هذا الحد تاركا للفن أن يفعل فعله بطريقة عفوية في قلب المتأمل أو القارئ أو المشاهد ليحكم هذا بما يوحي إليه ذوقه الداخلي، حتى لقد عرَّف أحد النقاد فن النقد بأنه فن تعليم القراءة.... ولكن النقد في صورته المثلى هو هذه الأشياء الثلاثة جميعا، فهو طريق يرسمها الناقد بعلمه ومعرفته، ويحكم في انطباق الأثر الفني عليها بذوقه، ثم يشرحها بحدسه وإدراكه، على أنه وهو يفعل ذلك كله يجب أن يعترف للفنان بحق أصيل هو أن يخرج على الطريق المرسومة ولو كان الذين رسموها عباقرة، وأن يدع في حكمه ثغرة ينفذ منها الجمهور إلى حكم معاكس لو أراد، وان يكون في شرحه وتأويله متواضعا فما يمكن لأحد مهما كانت بصيرته نافذة أن يزعم أنه تغلغل في أعماق الفنان إلى حد يجعله نائبا عنه في الكلام والتعبير".

 

 

 

  • حرر
  •