أقلام- مجلة دمشق- الأمير مصطفى الشهابي

اعداد الدكتور مهيار الملوحي

صدرت مجلة (دمشق) في دمشق في 1/1/1940، وكانت مجلة شهرية، أدبية، سياسية، اجتماعية، اقتصادية وقد صدرت بالحجم المتوسط (22×17)سم وضمن (64) صفحة مع الغلاف الأول والأخير وجاء أن محرريها نخبة من الأدباء، وكانت حسنة الطباعة والتبويب ومن أبوابها مثلا: (السياسة، النقد الأدبي، التاريخ، المنبر الحر، في عالم الكتب، محاضرة الشهر.....)

وقد جمعت على صفحاتها أشهر الأقلام السورية في أربعينيات القرن الماضي وجميعهم من الأعلام المعروفين مثل محمد أسعد طلس ومحمد كرد علي وسليم الجندي والدكتور مرشد خاطر والدكتور حنين شينارة وشاكر الحنبلي والدكتور جميل صليبا، وعز الدين التنوخي وشفيق جبري والشيخ عبد القادر المغربي والأمير مصطفى الشهابي وغيرهم. وكذلك جمعت على صفحاتها الأقلام الواعدة والتي ساهمت في بداية نشاطها العلمي والثقافي وأصبحت فيما بعد من الأعلام المعروفين مثل وداد سكاني وصلاح الدين المنجد وعبد الوهاب الأزرق وغيرهم.

وقد صدر من هذه المجلة ستة أعداد وتوقفت بعد ذلك لأسباب تقنية، أي إنها استمرت ستة أشهر فقط.

وجاء في العدد السادس الصادر في 1/6/1940 وهو العدد الأخير من هذه المجلة في الصفحة (12) مقال بقلم الأمير مصطفى الشهابي تحت عنوان (حياة الحاكمين) مايلي:

 

((لفظة الحاكم ضخمة في مبناها وفي معناها سواء أدلت على الوالي الذي يتصرف في شؤون الرعية أم على القاضي الذي يقضي بالحق بين المتخاصمين، وقد اجتمعت منذ أيام إلى أحد حكام المقاطعات وكان يلي أمور مليون من البشر فسألته فضولا عن طراز معيشته وعن مبلغ السعادة فيها فأجابني بحديث شجي حفظت منه الجمل الآتية، قال:

 

حكم الناس يا صاح معناه حمل هموم الناس فلا يغرنك ما يغشو على هيئة الحاكمين من آثار النعمة، ولا تظنن أنهم يسعدون بما يبدو عليهم من جاه عريض ومال غزير وعيشة لينة طيبة فإن ما بطن من أمور خلاف ما يبدو للملأ وما استتر من أشجانهم فوق ما استعلن من أفراحهم والأمثلة على ذلك لا يحصيها العد.

فالهاتف (التلفون) مثلا هو لدى الناس نعمة من الله وهو لدى الحاكم نقمة طالما استعاذ منها بالله، وكثيرا ما يكون ذلك عندما يهتف أحدهم اليه وقت الطعام أو في القيلولة أو في الليل دع ساعات العمل، فلكم شوش الهاتف فيها حديثا مهما ولكم ضيع فكرة مفيدة.

وربما أمر الحاكم بقطع الهاتف ساعة ليرتاح من عنائه فإذا بأحداث هامة تحدث عفوا في تلك الساعة وإذا به يصبح على فعلته من النادمين.

ولكم غرت الناس سيارة الحاكم وعليها شارة الدولة وفيها المقاعد الوثيرة ولها المحرك الصامت واللون الزاهي والزمارة الخاصة فهذه السيارة هي في الحقيقة من أصلح الأدوات لتقصير عمر الحاكمين، لأنهم لا ينتقلون من مكان إلى مكان إلا فيها حتى في المدينة ولا يحركون أعضاء جسمهم بالسير على الأقدام فتأخذهم السمنة وتقعد أعضاؤهم عن القيام بأعمالها الحيوية فتسوء صحتهم وتنقص أعمارهم لا محالة.

ومما يحسدون الحاكم عليه سلطته على الشرطة (البوليس) ولعل كثيرين يتمنون أن يقدر لهم ما قدر له من وقوف شرطي في بابه أو ركوبه بجانب سائق سيارته متأدبا مائل الجلسة، وفات هؤلاء أن القيام على شؤون الشرطة وحسن تأدبهم وكفهم عن ايذاء الناس من أصعب الأمور وأدقها وكثيرا ما يكون الشرطي أداة خير لكنه ربما كان أحيانا أداة شر وهناك الطامة الكبرى.

ويظن بعضهم أن الحاكم سعيد لكثرة ما يدعى إلى المآدب والنوادي والحفلات المختلفة حيث له المقام الأول وحيث يحتفي به الداعون ويكرمون وفادته ويقفون في خدمته، وهذا الظن بعيد عن الحقيقة لأن الحاكم يعد وجوده في هذه الأماكن واجبا لابد من القيام به، ويحسب نفسه مسخرا لإرضاء من يدعوه لوجاهتهم إما لأن الحفلة مدرسية أو خيرية أو رياضية أو غير ذلك، ومتى كثرت هذه الاجتماعات تصبح داعية للسأم والملل، والإنسان يسأم الجنة إذا طال مكوثه فيها فكيف إذا اضطر الواجب إلى سماع خطيب سخيف وشويعر أسخف وصبيان يمثلون رواية أو متصابية تظن نفسها في الضرب على آلات الطرب في مرتبة اسحاق الموصلي أو معبد أو بتهوفن ومع هذا فالحاكم مطالب باطراء ما يسمع وما يراه تشجيعا وترغيبا.

ومن المستحيل أن يتجنب الحاكم نقد الناقدين وغمز الفضوليين، فهو إن أبدى الوقار قالوا متكبر متجهم لا يبتسم للرغيف الساخن... وإن بش وألان عريكته قالوا أمعة رخو.. وإن أظهر حزما وإرادة جعلوه مستبدا عاتيا،  وإن غض الطرف وتساهل رموه بالضعف والجبن وخور العزيمة...

وبقي أن نعرف أن الأمير مصطفى الشهابي (1894-1968) ولد في حاصبيا، وتلقى تعليمه في الشام واسطنبول وفرنسا، حاز على شهادة مهندس زراعي عام 1914. وتولى الكثير من  المناصب الهامة في سورية، أهمها وزارة المعارف 1936عام، ووزارة المالية ووزارة العدل، وانتخب عضوا عاملا في المجمع العلمي العربي بدمشق عام 1926 وصار  رئيسا للمجمع عام 1959  وله الكثير من المؤلفات العلمية ومنها عدة معاجم عربية فرنسية إنكليزية للألفاظ العلمية الزراعية المتخصصة.