أقلام- جميل سلطان- مجلة الإذاعة السورية

عداد الدكتور مهيار الملوحي

صدرت مجلة (الإذاعة السورية) في دمشق في 1/9/1953 وهي مجلة نصف شهرية تصدر عن دار الإذاعة السورية، وكان مديرها المسؤول أحمد عسه (1915-2005) ورئيس تحريرها سعيد الجزائري (1913-1981) وقد تحول اسمها بعد ذلك إلى (هنا دمشق) وكان مديرها المسؤول يتغير مع تغيير المدير العام للإذاعة.

كانت ذات أبواب متعددة وضمت العديد من الأقلام المعروفة، كما عنيت ببرامج الإذاعة السورية.

ومن أقلامها الدكتور جميل سلطان (1909-1979) الذي ولد في دمشق وتلقى علومه فيها، وهو مجاز في الحقوق، مارس المحاماة، وحصل على درجة الدكتوراه في الأدب من السوربون (فرنسا) وكان تربوي ومارس مهنة التدريس في ثانويات دمشق، نشر العديد من المقالات في الدوريات السورية والعربية، ثم عين أستاذا في كلية الآداب في دمشق، وفي العام 1951 عين مديرا عاما للإذاعة السورية، ثم مديرا عاما للتعليم الابتدائي.

له العديد من المؤلفات منها: (فن القصة والمقاومة) عام 1942، (جرير) عام 1936، (الحطيئة) عام 1968، (أبو تمام) عام 1970، (أوزان الشعر وقوافيه) عام 1937، وغيرها.

كتب الدكتور جميل سلطان في مجلة الإذاعة السورية في العدد رقم (63) الصادر في 1/4/1956، تحت عنوان: (القصة في خدمة الأهداف) مايلي:

((ما تكاد النفس تنطلق في سحر ولا تنشرح لحديث مثلما تهدهدها قصة ساحرة وأسطورة ممتعة ومثل رائع يحكي على لسان الغابرين، والناس في هذا متشاركون في الارتياح إلى سماعه سواسية، فهذا طفل عابث تملكه الأسطورة فيهدأ، وذاك شاب ثائر تأسره القصة فينصت، وذلك شيخ تهدم تطوف به أشباح القصص فينتعش وهذه وتلك تنتشيان بذكر البطولات والحب والفداء حتى أوشكت القصة أن تكون أنفذ أنواع الأدب إلى القلوب وأشدها أسرا للطباع وأكثرها ذيوعا بين الناس.

وهي وإن تكن في قديم الدهور وحديثه نقطة يجتمع حولها السامرون، ومتعة يستمتع بها السامعون فهي صورة يجد فيها المرء كثيرا من المعاني والأفكار، والمذاهب والأهواء ومن أجل ذلك كان بها الولوع والإعجاب، واحتفلت بها الأمم على اختلاف أخلاقها وعاداتها، وكان لها ينابيع تفيض على الناس بأنواع من الأخيلة العذبة وألوان من التصوير العجيب وحينما دونت الآداب في الأمم المختلفة كان للقصة مكان مرموق، وكلما أوغلت الآداب في السمو ولامست الحياة في مختلف مظاهرها وأشكالها، كانت القصة فيها أشمل وأكمل وكان الإمتاع بها والانتفاع بغاياتها أتم وأهم.

وفي أدبنا كنز من القصة لا ينفذ، وثروة إذا عرف مخبؤها كانت مصدر إلهام وتوجيه، فيها العربي الأصيل، والمستعرب الدخيل، والواقعي الخالص، والخيالي المغرق، تناقلها الرواة على توالي العصور وحملتها الذاكرة للناس جيلا بعد جيل، وفيها العجيب من أقاصيص البطولات والحب وأساطير الجن والحيوان، ولا تكاد تتجرد واحدة من هذه أو تلك عن فكرة أو غرض كان هو السبب الأساسي الذي دعا الرواة إلى حملها على الأيام.

وإذا كانت أساطير الجن وخرافات الحيوان في القصص لا تعتمد على غير الخيال المبدع والاختلاق المقصود لسبب من الأسباب، فإن أقاصيص الواقع لا تخلو من زيادة أو نقصان ولا تكاد تكون في معزل عن تزويق الخيال وزخارف التجميل شأن كل قصة يبتغي منها المتحدث بها خلب الألباب وانتزاع الإعجاب، هذا إذا لم يكن يستهدف فيها جر مغنم محبب أو دفع مغرم مكروه أو تثبيت فكرة معينة في الأذهان.

ولم يكد يعرف العرب قصص الفرس والهند واليونان حتى اقتبسوا منها ما لاءم طباعهم ولم يصدم عقائدهم ولم يكن بينهم وبين طراز حياتهم اختلاف، ذلك أن هذه الأمم تعدد الآلهة وتنسب إليها كثيرا من الأساطير والخرافات، وما أكثر ما نعرف منها اليوم مترجما إلى العربية وغيرها من اللغات الغربية وقد كان المترجمون العرب حينما ترجموا كتب الأمم من يونانية أو هندية أو غيرها على معرفة بهذه الثروة ولا شك، ولكنهم لم يترجموا إلا ما كان منسجما مع العبقرية العربية الموحدة التي تنفر من تعدد الآلهة ولا تجد من أسلوب القصة ومغزاها إلا ماشاكل أقاصيصهم وما لا يخالف المزاج العربي ولا العقلية العربية وإنما تلتقي معها في الغاية الخلقية، واقتبس العرب الشيء المحمود ولكنهم أعرضوا عن قسط وافر من الأساطير، ونقول مثل ذلك فيما نقله العرب عن الهند والفرس من أنواع القصص الواقعي أو الخرافي ككتاب كليلة ودمنة وكثير من حوادث ألف ليلة وليلة وغيرها من سير الأبطال والمحتالين والبحريين، وعندنا أن الغاية لم تكن تنقص كل تلك الثروة المنقولة أو ما نسخ على منوالها واخترع على شكلها.

ولسائل أن يسأل عن بعض تلك الأقاصيص أو الأساطير التي تمثل الواقع المؤلم ولا يظهر فيها الهدف الخلقي في بعض الأحيان كاحتيال الثعلب على الحمامة التي كانت تلقي بأفراخها كلما وقف في أسفل شجرتها مما ورد في كليلة ودمنة مثلا فأين هو التوجيه والهدف الخلقي من القصة، وبديهي أن تمثيل الواقع وتصوير بعض الأحوال مما ينافي المثل الكريمةيحمل في نفسه الفكرة التوجيهية بفضل التنبيه إلى الغفلة التي تعتري المرء في بعض الأحيان ووجوب اللجوء إلى الحيلة حينما يسلط عليه ماكر خبيث، فالرمز في القصص الحيواني إن كان يمثل الواقع ويصوره فهو ينبه إلى الواجب ويدعو إلى إعمال الرأي وينفر من الواقع المكروه ويحث على ابتغاء الهدف النبيل.

فإذا انتهينا إلى هذا وجب أن يطالب شبابنا الأدباء المندفعين في القصص أن يكون لقصصهم أهداف كريمة تبني الخلق وتنمي دعائم المجتمع على أسس من الفضيلة والمحبة وما إلى ذلك من المثل الكريمة العليا".