أبواب دمشق الثمانية... تاريخ الحضارة

اسماعيل النجم

ظلت مدينة دمشق على مدى العصور محط أنظار الغزاة، فاقتضت ضرورات الدفاع عنها وحمايتها إحاطتها بسور من الحجارة الضخمة، ففتحت فيها في بداية العصر اليوناني أبوابا للدخول والخروج.    وفي العصر الروماني تمت صيانة السور وظهرت سبعة أبواب نسبةً إلى الكواكب السبعة المعروفة في حينها، وقد نحتت رموز هذه الكواكب على الأبواب لاعتقادهم أنها تحمي المدينة.  

أول هذه الأبواب "الباب الشرقي"وهو أحد الأبواب الأصلية السبعة للمدينة القديمة، بناه الرومان في عهد الامبراطور "سبتموس سفيروس" ونسبوه إلى كوكب الشمس، ورمز له بإله الإغريق "هيليوس" ويقابله عند الرومان "سول" وهو الباب الوحيد الذي لا يزال كما تركه بناته، ويتكون من ثلاث فتحات ذات أقواس أكبرها الوسطى، ويبلغ ارتفاعها نحو 292سم، وعرضها 288  سم، وعلى جانبيها فتحتان أصفر تقضيان مباشرة إلى رواقي الشارع المستقيم المحمولين على الأعمدة الكورنيثية الجميلة.

وترجع شهرة الباب الشرقي التاريخية إلى أيام الفتح العربي الإسلامي لدمشق، إذ كانت مهمة فتحه منوطة بالقائد العام للقوات الإسلامية "خالد بن الوليد" الذي نصب خيامه قبالة الباب وفرض حصارا على المدينة استمر سبعين يوما، وفي ليلة الثامن عشر من أيلول 634م، اغتنم "ابن الوليد" انشغال السكان بأحد أعيادهم فأعد سلالم بالمتاريس في أعلى السور وتسلق المقاتلون وسط العتمة بصمت وصرعوا حراس الباب، وفتحوا الباب ودخلوا "دمشق"، وظل الباب الشرقي سليما خلال الفتح.

 وفي العهد الأموي ولدى دخول العباسيين إلى دمشق سنة 749م، نزل عنده القائد "عبد الله بن علي" ودخل منه إلى المدينة، ومن الباب الشرقي أيضا دخل الملك العادل "نورد الدين محمود" عام 549هــ، وفي عهده لقيت الأبواب عناية فائقة، فقم سنة 559هــ بتجديد الباب الشرقي، ورفع فوقه مداميك الحجارة الصغيرة زيادة في تحصينه، وأضاف إليه من الداخل قوسا بدعامتين، وأنشأ فوق مئذنة مربعة، كما بنى وراءه مسجدا صغيراً.

ثاني الأبواب هو "باب الجابية" وقد شيده الرومان في الغرب من دمشق على أنقاض الباب اليوناني، ونسبوه إلى كوكب المريخ، وهو عند اليونان "إله الحرب" "آريس" وعند الرومان "مارس"، يبلغ ارتفاع الباب حوالي 283سم، وعرضه 306سم، وقد بني بحجارة ضخمة، ورفعت فوق عضادتيه صخرة كبيرة عليها كتابة، ويتكون من ثلاثة أبواب أوسطه الأكبر، وتمتد الأروقة والاسواق منها حتى الباب الشرقي.    

يرجع المؤرخون العرب تسمية الباب إلى قرية "الجابية" لأن قاصدها يخرج إليها من هذا الباب في المدينة، والجابية من قرى حوران عند "مرج الصفر" ويقال لها أيضا "جابية الجولان".

تولى الصحابي الجليل "أبو عبيدة بن الجراح" مهمات الفتح عند "باب الجابية" فجمع قواته قبالته، حيث جرت بعض المناوشات مع جند البيزنطيين، ولما طال الحصار على سكان "دمشق" طلب كبراؤهم وعلمائهم الأمان، فكتب "ابو عبيدة" صك الصلح، وتوجه مع وفد من قادة جيشه إلى مركز المدينةن حيث التقى "خالد بن الوليد" في منتصف الشارع المستقيم "مدحت باشا"، وبذلك سلم باب الجابية من الخراب، ثم تم ترميمه وصيانته في عهد السلطان "نور الدين الزنكي".

يقع الباب اليوم عند سوق تعرف بسوق "النسوان" وتمتد على جانبيه حوانيت صغيرة، تتدلى أمامها معلقات من الأقمشة الدمشقية والأغطية والثياب الملونة.

الباب الثالث هو "باب توما"الذي بناه الرومان شمالي مدينة "دمشق" على أنقاض الباب اليوناني الأقدم بارتفاع 438سم وعرض 322سم وسماكة سبعة أمتار، وينسب إلى كوكب "الزهرة" ونقشوا فوقه صورة الكوكب الذي يمثل في معتقداتهم "إله الحب والجمال" ، ولما احتل الرومان "دمشق" عام 64 ق.م نسبوه إلى الإلهة "فينوس"، ثم قام البيزنطيون في عهد "قسطنطين الأول" في القرن الرابع الميلادي بتسمية ابواب "دمشق" بأساء القديسين، فأطلقوا عليه اسم "القديس توما" أحد تلامذة المسيح عليه السلام وأقاموا عنده كنيسة كبيرة وحظي الباب والكنيسة في ذلك العهد بعناية واهتمام فكانت تقام الأعياد الدينية والمناسبات الاجتماعية.

وإبان الفتح الإسلامي عهد "خالد بن الوليد" لمدينة دمشق إلى الصحابي "شرحبيل بن حسنة" بمهمة فتح "باب توما" فضرب الحصار حوله ودارت بين الملسمين وحامية المدينة معارك يومية شارك فيها "شرحبيل" و"ضرار بن الأزور" و"أبان بن سعيد بن العاص" وأبلت "خولة بنت الأزور" بلاء مشهودا في قتال الروم، ومع سقوط الأبواب الأخرى استسلمت حامية "باب توما" ودخل المسلمون إلى مركز المدينة مهللين مكبرين.

وشهد باب توما" في عهد السلطان "نور الدين محمود" تجديدا وصيانة والذي قام ببناء مسجدين عنده، ورفع فوق الباب مئذنة كما فعل في سائر أبواب المدينة.

وأما الباب الرابع فهو "الباب الصغير"وهو الباب الجنوبي لسور مدينة دمشق القديمة شيده الرومان بعد استيلائهم على "دمشق" على أنقاض باب قديم نسبه اليونان إلى كوكب المشتري، ورمزوا له بكبير آلهتم "زفس" إله المطر والريح؛ وهو عند الرومان "جوبتير"، والباب الصغير هو الأب القبلي للبلد وهو باق الآن في مصلبة الشاغور، وبجواره زقاق يسمونه "زقاق الصمادية"، وبناؤه متين وقوي، وتعود سبب تسميته بأنه كان أصغر أبواب المدينة.

تم تجديد الباب في العهد الأيوبي، كما قام السلطان "نور الدين" عنده باشورة ومسجدا ومنارة ولا زال المسجد قائما إلى يومنا ويعرف باسم "الباشورة"، وفي عام 803هــ وصلت جحافل التتار بقيادة "تيمورلنك" إلى "دمشق" فتخلى المماليك عنها وانسحبوا منها، فأغلق أهلها الأبواب واعتلو الأسوار وتجهزوا للقتال،  وفي بداية الاشتباكات أوقع السكان خسائر كبيرة في جنود التتار، مما دفع "تيمورلنك" إلى الخديعة، فأوهم الكبراء والعلماء بميله للسلام ومنحهم الأمان، فلما استكانوا له وفتحوا الباب لقواته اندفعت جحافلهم تعمل بالمدينة تدميرا وتخريبا وسلبا وتنكيلا واشتعلت النيران في الدور والمساجد، وهدمت القلعة، وسقطت سقوف الجامع الأموي، وغادر الطاغية بعد 80 يوما فرغها من مهرة حرفييها وصناعها وقضاتها.

شهد الباب الصغير تجديدا في العهد المملوكي عام 903هــ، كما حدثت عنده ضروب من صراعات داخلية بين فئت متناحرة وقوات الدولة العثمانية خلال القرن الثاني  عشر الهجري / الثامن عشر الميلادي.

الباب الخامس هو "باب الفراديس" وقد بناه الرومان في الجهة الشمالية من سور "دمشق" القديمة، ويذكر المؤرخون أنه أقيم في موضع باب يوناني سابق، ونسب إلى رسول الآلهة "هرمس" وهو إله الفطنة والحيلة والفصاحة والتجارة ويقابله عند الرومان الآلهة "ميركوري عطارد".

أما تسميته فتعود إلى عهود سابقة للإسلام وتنسب إلى محلة قبالته من خارج البلد تدعى "الفراديس" كانت عامرة بالقصور والدور والبساتين، أما اليوم فيطلق عليه "باب العمارة" لوقوعه بين حي العمارة الجوانية والعمارة البرانية، وهو مصفح بالحديد ليومنا هذا.

الباب السادس "باب كيسان"الذي بناه الرومان في الركن الجنوبي للسور ونسب إلى كوكب "زحل"  وهو إله الزمان والزراعة عند اليونان واسمه "كرونوس"، ويقابله عند الرومان إله "ساترون"، أما تسميته بباب كيسان وهي كلمة محرفة عن "قيصون" وهي كلمة سريانية تعني الحد الاقصى للمدينة أو الباب المتطرف.

 بقي باب كيسان مستخدما حتى القرن السادس الهجري حين سده السلطان "نور الدين بن محمود" وفتح باب الفرج بدلا عنه، وظل الباب مغلقا طوال العهد ، إلى أن عاد فتحه الأمير "سيف الدين منكلي بغا" نائب السلطة المملوكية بالشام سنة 765هــ، تم تجديد الباب سنة 1925م وأدخلت عليه بعض التعديلات، وأقيمت عند مدخله "كنيسة" على اسم القديس "بولس الرسول" في عهد الانتداب الفرنسي على سورية عام 1939م.

الباب السابع هو "باب السلام" وهو واحد من المنشآت الإسلامية في الجهة الشمالية لسور "دمشق". سمي الباب بـ"السلام"، لكن اختلفت الروايات حول أصله، ويعتقد أنه من أصل روماني حسب أبواب "دمشق القديمة" التي تعود إلى العصر الروماني، إلا أن آخرين قالوا إن "نور الدين زنكي" قد يكون هو أول من أنشأه سنة 1164م، ثم جدده الملك "الصالح أيوب" سنة 1243م، وهو ثاني باب أيوبي أنشئ بعد "باب توما"، ويشبهه بقوسه وكوته وشرفتيه ويمتاز عنه أنه لم يرسم في عهد المماليك

اسمه "باب السلامة" وسمي بـ"السلام" تفاؤلاً، لأنه لا يتهيأ القتال على البلد من ناحيته، لكثرة الأشجار والأنهار في الجهة الواقع فيها، وكان الوافدون إلى "دمشق" يدخلون منه للسلام على الخلفاء الأمويين والباب من أجمل الأبواب وقد قامت المدرية العامة للآثار والمتاحف في الأربعينيات بترميمه وأعادت له الكثير من سماته الأصلية المتألقة.

وأما الباب الأخير فهو "باب الفرج" في عام 549هــ\1154م دخل "دمشق" السلطان الملك العادل "نور الدين بن زنكي" وهو من اتابكة السلاجقة فوجه عنايته لعمران المدينة وتحصينها وترميم سورها، وتم فتح ثلاثة أبواب جديدة من بينها باب الفرج.

يقع في الجهة الشمالية لسور "دمشق"، وقيل تفاؤلاً بما ينتظره من الفرج بفتحه، وباب الفرج بحالته الحالية مزدوج، الباب الداخلي منه بحذاء السور قبل أن يدفع إلى ضفة نهر بردى، وعضادته اليسرى مزينة من الداخل بنقوش مخرمة، وأما الباب الخارجي فملاصق لنهر بردى وقد أعيد بناءه في العهد المملوكي وهو كبير ومستطيل وأمامه عضادتان تعلوها قوس وعلى كل واحدة منها "رنك" مملوكي تقشت فيه زهرة الزيبق.

عرف باب الفرج" في عهد العثمانيين باسم "باب البوابيجية" نسبة إلى سوق تباع فيه أنواع من الأحذية الشعبية، اما اليوم فيطلق عليه باب المناخلية لوقوعه في سوق متخصصة بالمناخل والغرابيل.

 

المصادر والمراجع

- مجلة مهد الحضارات بعددها 20

- خطط الشام "محمد كرد علي"

- أبواب دمشق وأحداثها التاريخية "قتيبة الشهابي"