إن كان كل تل أثري أثري يخفي تحته تلاً أثرياً آخر وكل مدينة قائمة في وادي الفرات الآن قامت على أنقاض مدينة أخرى، فإن من البديهي أن تجد اسماً ملتفاً بعباءة اسم آخر وينتظر الكشف عنه، و"دير الزور" وهي المدينة السورية المعروفة بحدودها الحالية لم تشذ عن تلك القاعدة، فقد حملت تسميات عدة بعضها يعرفها أبناء المنطقة والبعض الآخر صار أو كاد طي النسيان، وبالطبع كان لكل اسم قصة تستحق أن يتوقف عندها أبناء المنطقة على الأقل.
الباحث الأستاذ "عمر صليبي" تحدث عن معنى آخر هذه الأسماء "دير الزور" بقوله: «يمكن أن نرد الكلمة إلى جملة من الآراء ففي المنحى اللغوي وردت كلمة "الزور" في "لسان العرب" بمعنى الصدر وقيل وسط الصدر وأعلاه، وقيل ملتقى عظام الصدر حيث اجتمعت، كما تأتي بمعنى العزيمة، وكان المؤلف الفرنسي "دوسو" في كتابه "الطبوغرافيا الأثرية السورية في العهود القديمة والوسطى" قال: إن "دير الزور" كانت تسمى "آزورا" ثم "الزورا" بينما رأى سيادة البطريرك "اغناطيوس يعقوب الثالث" أن كلمة "دير الزور" جاءت من السريانية وأنها تعني الدير الصغير، وكان بالقرب منها الدير الكبير وفق ما جاء في كتابه "البراهين الحسية على تقاريض السريانية والعربية"، بينما رأى الشيخ "محمد سعيد العرفي" أنها مأخوذة من الازورار للنهر، لأن النهر عندها كثير الازورار.
هذا ما يتعلق باسمها الحالي أما بقية الأسماء التي حملتها وقصة كل منها فقد ذكرها الأستاذ "عبد القادر عياش" بقوله: «ذكر الجغرافي اليوناني "بطليموس" في القرن الثاني الميلادي أسماء عدة مدن على "الفرات" وقد مال "ريتر" إلى تعيين "برته" موضعاً "لدير الزور" وقال آخر إنها "ادارة" ويرجع "مولرو فليشر" و"هوتزفلد" أنها كانت "جديرته" واللفظة آرامية تعني مكان التجاء الغنم.
يوافق موقع "دير الزور" اسم "دير الرمان" الذي ورد اسمه في معجم البلدان "لياقوت الحموي" المتوفى سنة 626 للهجرة 1221م وقد روى المعمرون "الديريون" أنه كان "بدير الزور" رمان ممتاز انقطع بسبب توالي الخراب الذي كان البدو يلحقونه بالبلدة.
لما انقطع الرمان بقيت لفظة الدير مجردة ولعله أنشئ فوق أنقاض المدينة القديمة، بحيث أفاد مؤسسو هذا الدير من الأنقاض ومن حسن المواقع.
وكانت توجد عدة أديرة على ضفاف "الفرات" وروافد "الخابور" و"البليخ" درست بسبب الحروب فلم يبق غير ديرنا الذي اجتذب أناساً شردوا من ديارهم فبنوا حوله بيوتاً لهم وأخذ عدد البيوت يزداد مع الزمن ومع توالي القادمين الجدد.
ولما كان ديرنا وحده في المنطقة لم تكن ثمة حاجة إلى تمييزه بإلحاق لفظة أخرى به، ولفظة الدير مجردة كانت شائعة عند القبائل المجاورة فهم يقولون أنهم ذاهبون إلى الدير أو قادمون من الدير ويعنون "دير الزور" الحالي، وقيل كان اسم ديرنا "دير بصير" وقيل إن هذا الدير كان في بلدة "البصيرة" عند مصب نهر "الخابور" في "الفرات"، وروي أن اسم ديرنا في العهد الأموي هو "دير الحتليف" وأن الخليفة الأموي "عبد الملك بن مروان" اجتاز عنده الفرات في تشرين الأول سنة 691م بطريقه من "دمشق" إلى "الجزيرة الفراتية" لمحاربة "مصعب بن الزبير" أخو "عبد الله بن الزبير" الذي بويع له بالخلافة في الحجاز.
لما شكل العثمانيون تشكيلاتهم الإدارية في القرن العاشر الهجري ميزوا ديرنا بأن أضافوا إلى الاسم اسم "الرحبة" القلعة القديمة الواقعة جنوبي بلدة "الميادين" وكانت مأهولة بالسكان وفيها حامية عثمانية لقرب الدير منها ولشهرتها القديمة فصار اسم ديرنا "دير الرحبة" وتكتب في المراسم العثمانية بالهاء بدلاً من الحاء غير أن هذه التسمية لم تشع لتضاؤل مكانة "الرحبة" ونمو عمران ديرنا وبقي اسم الدير مجرداً هو الشائع في المنطقة.
وكانت ديرنا في القرن التاسع عشر تعرف في "حوران" ومنطقة "حمص" و"حماة" ولدى القبائل السورية باسم "دير الشعار" تعني الشعراء وهذه صيغة جمع محلية ومنشأ التسمية هو أن شعراء عاميين من أبناء ديرنا كانوا يقصدون شيوخ العشائر ويمدحونهم بشعرهم.
ولكي تميز العشائر بلد هؤلاء الشعراء ألحقوا لفظة الشعراء وشاعت سنين عديدة.
وهذا يؤيد أن اسم ديرنا كان مجرد اسم الدير وفي أبناء "دير الزور" استعداد فطري قديم لنظم الشعر بلغتهم ولهجتهم العربية العامية ومن فرق الزور فرقة تدعى "الشعار" في حين لا يقتصر قول الشعر على هذه الفرقة وإنما هو عام في أبناء "دير الزور" رجالاً ونساءً قديماً وحديثاً.
سماها بعض الرحالين الأوروبيين "دير العصافير" لكثرة العصافير فيها وبخاصة البلابل وهذا الاسم قديم سمعه الرحالون من السكان وفي السنين الأخيرة أطلقت عليها عدة أسماء:
"عروس الفرات"، "المدينة الخامسة"، "بلدة الخصب"، "الزمردة الخضراء".
وعندما شكل العثمانيون التشكيلات الادارية الثانية في "دير الزور" سنة 1864 جعلوا من "الدير" مركز سنجق أي لواء ولم يروا بداً من تمييز الدير بإضافة اسم إليها فكان لفظة "الزور" وهذه اللفظة تحتاج إلى تحقيق لأن مفهومها الشائع خطأ.
يذهب ظن البعض أنها من زأرة الأسد بمعنى الأجمة ذات الماء والقصب أو من زئير الأسد لوجود أسود في هذا المكان.
ويحسب البعض أن لفظة الزور متأتية من لفظة الزيارة لزيارة سكان الدير.
ويوهم البعض بقولهم إن لفظة الزور تركية تعني الصعوبة.
وفي عرف العامة يعني الزور الغابة "كزور شمر" و"زور البوحميد" و"زور الغانم" وهي "أزوار" واقعة على ضفة "الفرات" الغربية من طريق "حلب" إلى "دير الزور".
ويتبادر إلى الذهن أن لفظة "الزور" متأتية من فعل زور، زوراً، وازوراراً بمعنى مال وأعوج لازورار "الفرات" عند موضع "دير الزور".
ينطق البعض من غير أبناء "دير الزور" حرف الزاي في لفظة الزور بضمها فتصبح بمعنى الكذب والباطل ويتجنى البعض على المنطقة فيقول: إنما سميت بالزور لشيوع شهادة الزور في أهلها ويتجنى آخرون بقولهم إنما سمي "دير الزور" بمعنى الدير الباطل لاستنكارهم لذلك الدير.
ويطلقون لفظة "الزور"على ضفة النهر سواء أكان عليها شجر أم كانت خالية من الشجر، عندما يكون الإنسان الفراتي في البادية ويقدم منها نحو النهر يقول لمن يسأله عن وجهته إنه ذاهب إلى "الزور" وهذه اللفظة أطلقتها القبائل العربية التي قدمت من الجزيرة العربية إلى "الفرات" منذ عدة قرون على القسم السوري من نهر "الفرات" ما بين "مسكنة" في الشمال إلى بلدة "عانة" على "الفرات" في الجنوب ومازالت هذه التسمية شائعة عند سكان وادي "الفرات" فهي بمثابة مصطلح جغرافي قديم.