كانت وما تزال تجارة الأغنام، من أعرق التجارات التي عرفتها "الرقة"، فهي على مدى قرونٍ عديدة، كانت أحد أهم أوجه النشاط الاقتصادي في هذه المنطقة، ويبقى المربي و"الدلاَّل" وسوق الغنم "الماكف"، هم العناصر الأكثر أهمية في هذه التجارة.
للحديث عن هذا الموضوع، التقى موقع eRaqqa بتاريخ (24/12/2009) الأستاذ "محمد المدفع"، الذي قام بترجمة البحث الذي حمل عنوان "ملاحظات على تربية الأغنام وتجارتها في منطقة "الرقة"، للفرنسيين "جان آنوييه" و"جان بيير ثيك"، حيث قال: «لقد أفرد الباحثان الفرنسيان، مبحثاً خاصاً للحديث عن هذا الموضوع، حيث ذكرا ما يلي: «نادراً ما يكون المربي على علاقة مباشرة بالسوق، إن الذي يوصله بالسوق هو "الدلاَّل", و"الدلاَّل" وسيط خبير بالمساومة خبرته بالماشية, وهو يملك سلطة لا تجادل كما أنه ضامن لأخلاقيات السوق, وأكبر سوق في المنطقة موجود في "الرقة" ويسمونه "الماكف", يذهب إليه المربي باكراً مؤملاً أن ينهي أعماله فيه بسرعة كي يتحاشى نفقات توقُّفٍ طويل في المدينة، لذلك يعتمد على "الدلاَّل", وهناك في بعض الأحيان "حاكم" وهو قاضٍ يقوم بمهمة الوساطة في حالات النزاع.
لقد أفرد الباحثان الفرنسيان، مبحثاً خاصاً للحديث عن هذا الموضوع، حيث ذكرا ما يلي: «نادراً ما يكون المربي على علاقة مباشرة بالسوق، إن الذي يوصله بالسوق هو "الدلاَّل", و"الدلاَّل" وسيط خبير بالمساومة خبرته بالماشية, وهو يملك سلطة لا تجادل كما أنه ضامن لأخلاقيات السوق, وأكبر سوق في المنطقة موجود في "الرقة" ويسمونه "الماكف", يذهب إليه المربي باكراً مؤملاً أن ينهي أعماله فيه بسرعة كي يتحاشى نفقات توقُّفٍ طويل في المدينة، لذلك يعتمد على "الدلاَّل", وهناك في بعض الأحيان "حاكم" وهو قاضٍ يقوم بمهمة الوساطة في حالات النزاع. وبعكس "الحاكم" يتقاضى "الدلاَّل" عمولة على كل عملية تجارية /5/ ليرات في البيعة، يدفعها الشاري, وتبدأ طقوس الاتفاق بمصافحة طويلة بالأكف تجري في أثناءها "تعديلات" على السعر بصيغ مخصصة لذلك, ومتى افتكت قبضة الأيدي فإن الكلمة الأخيرة لا يمكن أن تتبدل, ويجري البيع تقليدياً بالرؤية والمس, فرداً أو زوجاً, أما الآن فإنه أصبح يجري في الغالب بالوزن, ولا تتبع طريقة المزاد كما هو في سوق "دير الزور", ويمتد عمل "الدلاَّل" إلى أبعد من السوق المحلي, وإذا دخل في شراكة مع مموّل فإنه يدعى "كتِّيف"، وهذا يعني الرجل الذي يحمل العمل على كتفيه, أي من يستخدم مال الآخر, فهو يكلف من قبل مموّل لا يملك علاقات محلية كافية, بأن يعدَّ ويدبر قطيعاً ويعهد به إلى مربِّ أو إلى راعٍ يتولى هو دفع أجرته مباشرة. ويحصل "الكتِّيف" لقاء دوره كوسيط على عمولة على المبيعات, وتقدَّر حيوية سوق "الرقة" بمقدار المبالغ التي يتلقَّاها "الكتِّيفة" من "حلب", ويجب أن يكون "الكتِّيف" خبيراً بالبادية مثل خبرته بالسوق, عليه أن يتعرف على ما يحمله المستقبل لهذا ولتلك, للأمر الأول، يُكثر من التنقُّل في البادية ليكتشف المراعي أو ليشتري الأغنام التي تكون أفضل من أغنام المدينة "المربَّاة بالمال", ويمكنه كذلك أن يستعين بمخبرين يكونون غالباً أقارب له سكنوا المدينة, وسيكون الهاتف أحسن معاون له، وعن طريقه يعرف أسعار الأغنام في "بيروت", وفي الأردن وفي المملكة العربية السعودية. وهكذا يتلقى "الكتِّيف" أيضاً الأوامر بالبيع أو الشراء التي يرجع القرار فيها دوماً إلى المموّل, وفي هذا المجال تظل "شركة الأرباح" هي الشراكة الأكثر تمثيلاً لتسارع نشاط المعاملات المتصلة بتجارة الأغنام, ومع كونها أكثر بساطة من شراكة "العظم" فإنها لا تقل عنها ارتباطاً بدورة الإنتاج ودورة الفصول. وشراكة "العظم" تربط تاجراً من المدينة بالمربي، حيث يكوِّن التاجر قطيعاً، ويسلمه إلى المربي ليهتم به، ونتاج القطيع "الولادات، الحليب ومشتقاته، الصوف.." يأخذها التاجر حتى سداد رأس المال المبدئي، وعندما يستوفى رأس المال، يُقسم القطيع بالتساوي بين التاجر والمربي. والأمر بالنسبة لمالك رأس المال يكون بأن يتعامل مع تقلبات السوق كأنها حركة بورصة، وهنا كثيراً ما تسجل الحسابات كتابة, فالرأسمالي يكوّن قطيعاً يتولّى أمره المربي في "البادية" لبضعة شهور, وغالباً ما تكون الماشية خرافاً صغيرة, وعندما ترتفع أسعار اللحم يباع القطيع بالكامل، ويتقاسم الشريكان الأرباح حسب حصة كل منهما من رأس المال, أما في حالة ما تكون هناك خسارة فإن على صاحب رأس المال إذا أراد أن يعيد التمويل أن يتحمل هو النفقات. ويمكن أن تعتبر العملية هنا مجرَّد مضاربة, ففي نهار واحد أو في عدَّة أيام يمكن أن يشتري ويبيع القطيع, وأحد الأشكال التاريخية من هذا الطراز للمشاركات يتمثل في ذهاب كبار التجار إلى "الموصل", فيكوّنون هناك قطيعاً كبيراً جداً يأتون به على مراحل إلى الأسواق السورية في "حلب" و"حما’" و"حمص", تباع الدواب في هذه الأسواق بعد اجتيازها للبادية، وتسمينها خلال ذلك الاجتياز, وهذا ما يدعى "برخانه"، وهي كلمة تعني "الخان المتنقل"، وتتألف من قافلة كبيرة تضم فيها المربين والمحاربين والحرفيين. وبرأي أحد "الكتيفة" أن المبالغ المتوسطة القيمة هي التي تستثمر في شركة الأرباح, بينما يفضل أصحاب الرساميل الكبيرة شراكات "العظم", وهذا ما يجعل الصنف الأول من الشراكة هو الأكثر نجاحاً في "الرقة" بدون شك, ويبدو أن شركة الأرباح هي آخر ما انتهت إليه التغيرات التي أصابت تربية الأغنام منذ ما كانت هذه التربية تمثل وحدها الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية عند جانب كبير من سكان الأطراف القاحلة في سورية, ونستطيع أن نرد تراجع شركة "العظم" إلى تراجع أولئك "الخانجية" في "حلب", الذين كانت تتصرف خاناتهم بالنصيب الأساسي من منتوج المناطق الشرقية من البلاد, أما التقدم السريع في شركة الأرباح، فيجب ردَّه إلى تكاثر تربية "الربط"، وتكاثر العاملين في التربية بصورة عامة. وكل هذا يعني نهاية زمن له طابعه الخاص, إنه الزمن الذي لم يكن فيه الحليب ولا السفير كذلك, زمن العمل التعاوني ما يسمى بـ"الفزعة" التي اختفى اسمها نفسه, عندما كان الأقارب والجيران والأصدقاء يعملون معاً ومجّاناً, في جزِّ الصوف أو في حصاد بضعة أكياس من الحنطة مبذورة في "البادية", زمن "المنيحة" وهي جزء من القطيع كان يُمنح إلى الأكثر عوزاً، مساعدةً له على العيش، وإن لم يكن له فيه سوى حق الانتفاع، وأصبحت النعجة، مهنة ومورد رزق، هكذا قال لنا أحد الرعاة القدامى، كأنه يشتكي من ذلك، مع أن هذه الدابة ـ على ما يبدو ـ لم تكن وفرت له فيما مضى، حياةً هنيئة، ومع ذلك فالظاهر أن هناك أمراً مقطوعاً به، فنادراً ما تكون هذه المهنة عمل متعهدين مستقلين ومقتصرين على هذا العمل
وبعكس "الحاكم" يتقاضى "الدلاَّل" عمولة على كل عملية تجارية /5/ ليرات في البيعة، يدفعها الشاري, وتبدأ طقوس الاتفاق بمصافحة طويلة بالأكف تجري في أثناءها "تعديلات" على السعر بصيغ مخصصة لذلك, ومتى افتكت قبضة الأيدي فإن الكلمة الأخيرة لا يمكن أن تتبدل, ويجري البيع تقليدياً بالرؤية والمس, فرداً أو زوجاً, أما الآن فإنه أصبح يجري في الغالب بالوزن, ولا تتبع طريقة المزاد كما هو في سوق "دير الزور", ويمتد عمل "الدلاَّل" إلى أبعد من السوق المحلي, وإذا دخل في شراكة مع مموّل فإنه يدعى "كتِّيف"، وهذا يعني الرجل الذي يحمل العمل على كتفيه, أي من يستخدم مال الآخر, فهو يكلف من قبل مموّل لا يملك علاقات محلية كافية, بأن يعدَّ ويدبر قطيعاً ويعهد به إلى مربِّ أو إلى راعٍ يتولى هو دفع أجرته مباشرة.
ويحصل "الكتِّيف" لقاء دوره كوسيط على عمولة على المبيعات, وتقدَّر حيوية سوق "الرقة" بمقدار المبالغ التي يتلقَّاها "الكتِّيفة" من "حلب", ويجب أن يكون "الكتِّيف" خبيراً بالبادية مثل خبرته بالسوق, عليه أن يتعرف على ما يحمله المستقبل لهذا ولتلك, للأمر الأول، يُكثر من التنقُّل في البادية ليكتشف المراعي أو ليشتري الأغنام التي تكون أفضل من أغنام المدينة "المربَّاة بالمال", ويمكنه كذلك أن يستعين بمخبرين يكونون غالباً أقارب له سكنوا المدينة, وسيكون الهاتف أحسن معاون له، وعن طريقه يعرف أسعار الأغنام في "بيروت", وفي الأردن وفي المملكة العربية السعودية.
وهكذا يتلقى "الكتِّيف" أيضاً الأوامر بالبيع أو الشراء التي يرجع القرار فيها دوماً إلى المموّل, وفي هذا المجال تظل "شركة الأرباح" هي الشراكة الأكثر تمثيلاً لتسارع نشاط المعاملات المتصلة بتجارة الأغنام, ومع كونها أكثر بساطة من شراكة "العظم" فإنها لا تقل عنها ارتباطاً بدورة الإنتاج ودورة الفصول. وشراكة "العظم" تربط تاجراً من المدينة بالمربي، حيث يكوِّن التاجر قطيعاً، ويسلمه إلى المربي ليهتم به، ونتاج القطيع "الولادات، الحليب ومشتقاته، الصوف.." يأخذها التاجر حتى سداد رأس المال المبدئي، وعندما يستوفى رأس المال، يُقسم القطيع بالتساوي بين التاجر والمربي.
والأمر بالنسبة لمالك رأس المال يكون بأن يتعامل مع تقلبات السوق كأنها حركة بورصة، وهنا كثيراً ما تسجل الحسابات كتابة, فالرأسمالي يكوّن قطيعاً يتولّى أمره المربي في "البادية" لبضعة شهور, وغالباً ما تكون الماشية خرافاً صغيرة, وعندما ترتفع أسعار اللحم يباع القطيع بالكامل، ويتقاسم الشريكان الأرباح حسب حصة كل منهما من رأس المال, أما في حالة ما تكون هناك خسارة فإن على صاحب رأس المال إذا أراد أن يعيد التمويل أن يتحمل هو النفقات.
ويمكن أن تعتبر العملية هنا مجرَّد مضاربة, ففي نهار واحد أو في عدَّة أيام يمكن أن يشتري ويبيع القطيع, وأحد الأشكال التاريخية من هذا الطراز للمشاركات يتمثل في ذهاب كبار التجار إلى "الموصل", فيكوّنون هناك قطيعاً كبيراً جداً يأتون به على مراحل إلى الأسواق السورية في "حلب" و"حما’" و"حمص", تباع الدواب في هذه الأسواق بعد اجتيازها للبادية، وتسمينها خلال ذلك الاجتياز, وهذا ما يدعى "برخانه"، وهي كلمة تعني "الخان المتنقل"، وتتألف من قافلة كبيرة تضم فيها المربين والمحاربين والحرفيين.
وبرأي أحد "الكتيفة" أن المبالغ المتوسطة القيمة هي التي تستثمر في شركة الأرباح, بينما يفضل أصحاب الرساميل الكبيرة شراكات "العظم", وهذا ما يجعل الصنف الأول من الشراكة هو الأكثر نجاحاً في "الرقة" بدون شك, ويبدو أن شركة الأرباح هي آخر ما انتهت إليه التغيرات التي أصابت تربية الأغنام منذ ما كانت هذه التربية تمثل وحدها الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية عند جانب كبير من سكان الأطراف القاحلة في سورية, ونستطيع أن نرد تراجع شركة "العظم" إلى تراجع أولئك "الخانجية" في "حلب", الذين كانت تتصرف خاناتهم بالنصيب الأساسي من منتوج المناطق الشرقية من البلاد, أما التقدم السريع في شركة الأرباح، فيجب ردَّه إلى تكاثر تربية "الربط"، وتكاثر العاملين في التربية بصورة عامة.
وكل هذا يعني نهاية زمن له طابعه الخاص, إنه الزمن الذي لم يكن فيه الحليب ولا السفير كذلك, زمن العمل التعاوني ما يسمى بـ"الفزعة" التي اختفى اسمها نفسه, عندما كان الأقارب والجيران والأصدقاء يعملون معاً ومجّاناً, في جزِّ الصوف أو في حصاد بضعة أكياس من الحنطة مبذورة في "البادية", زمن "المنيحة" وهي جزء من القطيع كان يُمنح إلى الأكثر عوزاً، مساعدةً له على العيش، وإن لم يكن له فيه سوى حق الانتفاع، وأصبحت النعجة، مهنة ومورد رزق، هكذا قال لنا أحد الرعاة القدامى، كأنه يشتكي من ذلك، مع أن هذه الدابة ـ على ما يبدو ـ لم تكن وفرت له فيما مضى، حياةً هنيئة، ومع ذلك فالظاهر أن هناك أمراً مقطوعاً به، فنادراً ما تكون هذه المهنة عمل متعهدين مستقلين ومقتصرين على هذا العمل».