ما زالت أعمال التنقيب مستمرة في مملكة "قطنا" الواقعة في قرية "المشرفة" التي تبعد حوالي (15) كيلو متر عن مدينة "حمص" والتي بدأت لأول مرة في عام /1924إلى1929/ على يد الكونت "روبرت دو ميسنيل" ليتم في هذه الفترة اكتشاف القصر الملكي، وتوقفت أعمال التنقيب حتى سنة /1994/ حيث باشرت المديرية العامة للآثار أعمالها بالاشتراك مع بعثة ألمانية وأخرى إيطالية.
موقع eHoms زار الموقع الأثري المقسم إلى قطاعات مربعة أو حقول موزعة بين البعثات الثلاثة (الوطنية، الألمانية، الإيطالية)، وحول أحدث المكتشفات التي تم الوصول إليها كانت من قبل البعثة الألمانية والتي حدثنا عنها الدكتور "بيتر فيلزنر" رئيس البعثة المختص بآثار شرق الأوسط القديم في جامعة "توبينغن" والذي أتى "سورية" لأول مرة في سنة /1979/ وتنقل كطالب ودكتور مع البعثات الألمانية في مواقع عدّة أهمها (تل الشيخ حمد، تل بدير، في"الحسكة"، تل موزان في "الرقة") وله في موقع "قطنا" حوالي 10سنين وكان لنا معه الحديث التالي:
برغم أن شهادتي هي معهد محاسبة إلا أنني فضلت العمل بالآثار وأول مرة كانت مع بعثة أمريكية في "الحسكة" ثم انتقلت مباشرة لأعمل مع الألمان في مجال الرسم "الميليمتري" ورسم المخططات، وعلى الرغم من وجود صعوبة كبيرة في العمل نتيجة الضرورة للتركيز والدقة فهي أيضاً ممتعة ومسلية وذات فائدة
«تم العثور على عظام لهياكل فيلة تعود للعصر البرونزي الحديث وقد تم العثور عليها في غرفة من غرف القصر الملكي، والفيلة هي من المنطقة ذاتها وبالتالي يدّل ذلك على أن هذا النوع من الحيوانات كان موجوداً في سورية القديمة ويستعمل للتنقل وحمل البضائع ولاسيما من قبل الأسرة المالكة، وأما في المدافن الملكية تم اكتشاف عدد من الجرار الفخارية القديمة وذات الأحجام الكبيرة والتي كانت تستخدم لدفن الأطفال والأجنة الميتة قبل وضعها في القبور هذا بالإضافة إلى أوان من الفضّة والذهب».
وعن الجو العام وكادر البحث تابع الدكتور "بيتر" حديثه: «البعثة الألمانية مكونة من 20 شخصاً بينهم علماء آثار، طلاب من "ألمانيا" ومن "سورية"، طبوغرافيين، اختصاصيي انتربولوجيا، ترميم وفخار، رسامين) بالإضافة إلى عمال من مختلف محافظات "سورية" يبلغ عدد من يعملون منهم معنا حوالي (30) ومنهم مازالوا من أول التنقيب حتى الآن ويكونون خبرة كبيرة، ونحن مرتاحون كثيراً في عملنا لكون الجو الاجتماعي جيد جداً والاستقبال والاعتناء بالأجانب من قبل أهالي قرية "المشرفة" رائع جداً وهم يقدمون مساعدة كبيرة لنا في أي وقت، إضافة إلى أن عملنا مع البعثات الأخرى متكامل وهذا يفيد البحث كثيراً».
ولمعرفة المزيد من وجهة نظر أخرى التقينا أحد العمال "محمود حسين" من محافظة "الحسكة" الذي يشارك في التنقيب مع البعثة الألمانية منذ حوالي (10) أعوام حيث قال: «برغم أن شهادتي هي معهد محاسبة إلا أنني فضلت العمل بالآثار وأول مرة كانت مع بعثة أمريكية في "الحسكة" ثم انتقلت مباشرة لأعمل مع الألمان في مجال الرسم "الميليمتري" ورسم المخططات، وعلى الرغم من وجود صعوبة كبيرة في العمل نتيجة الضرورة للتركيز والدقة فهي أيضاً ممتعة ومسلية وذات فائدة».
ولمعرفة المزيد عن أعمال التنقيب التقينا مع الدكتور "ميشيل مقدسي" رئيس البعثة الوطنية والمسؤولة حالياً عن كل من السفح الشمالي والشرقي "للأكروبول" وحدثنا عن تاريخ المنطقة وأعمال التنقيب: «منطقة "قطنا" تعود للألف الثالث قبل الميلاد ومرت بعصور ثلاثة (فترة البرونز القديم، الوسيط، الحديث بالإضافة لفترة الحديد) وهي على شكل مربع مساحته (110) هكتار، يفصله عن النهر الذي كان سابقاً يصب في مجرى العاصي سور يحيط به ويبلغ طول ضلعه (1) كيلو متر ويعود تاريخه للألف الثاني قبل الميلاد، ينتمي الموقع لعصر البرونز القديم (2400) ق.م حيث أخذ مسقطه شكل مربع، وله أربع بوابات رئيسية تتوسط كل ضلع من أضلاعه الأربعة، وبوابات أخرى فرعية، أما أحد أهم المواقع التي نعمل فيها هو "الأكروبول" (المنطقة المرتفعة في المملكة) والمكتشفات الأثرية تدل على أهميته الدينية والسياسية والتي كانت تسيطر على المنطقة المنخفضة أي (المنطقة السكنية)، بالإضافة إلى قطاع (W) أو "قبة لوط" وهي عبارة عن هضبة صخرية طبيعية أقام عليها سكان المملكة القدماء قبة اصطناعية حفرت داخل الصخر لتكون أربع مبانٍ اعتبروا مكاناً لتخزين الفائض من المحاصيل، وهناك أيضاً القطاع (O) الذي يعود للعصر الآرامي، والقطاع (C) الذي يقع على السفح الغربي للمدينة المرتفعة».
هذا بالنسبة للأعمال أما بالنسبة للكادر الذي يعمل في منطقة التنقيب فتابع:
«هناك كادر متشابه بين جميع البعثات وأهم عنصر فيه هم خريجوا كلية الآثار وطلاب مازالوا يدرسون (شباب وشابات) وهذا العمل يقدم لهم الخبرة والمعرفة في ذات الوقت ويتم اختيارهم عن طريق تقديم الـ (CV) لكل طالب ومن تلائمه الشروط يتم قبوله، وهناك مساكن خاصّة لأفراد البعثات الثلاث في قرية "المشرفة"».
وآخر اللقاءات كانت مع رئيس البعثة الإيطالية الدكتور "دانيلي موراندي" من جامعة "أوديني" وكان الحديث التالي: «البعثة تتألف من كادر مماثل للبعثات الأخرى وهي تتلقى الدعم المادي من وزارة الخارجية الإيطالية وأما بالنسبة للموقع الأثري فهو مهم جداً لكونه يؤكد سيطرة المنطقة الوسطى في العالم القديم، ونقطة وصل بين العصور ولاسيما فترة(700 إلى 500) ق.م، وأعمال التنقيب في "قطنا" الآن تدل على التعاون الكبير بين البعثات وأهميته كمشروع عالمي للبحث، ورغم احتياجه إلى مزيد من الوقت حتى ينتهي العمل فيه إلا أنه يشكل قبلة جيدة للسياح والعاملين في مجال الآثار من جميع أنحاء العالم نتيجة لكثرة المكتشفات والجو المريح، ولكنه يحتاج إلى مزيد من الدعم والاعتناء، ونحن نعمل الآن على قسم من السفح الشرقي "للأكربول"».
والجدير بالذكر أن أعمال التنقيب ما زالت مستمرة وأن هناك الكثير من المكتشفات في طريقها للظهور لتثبت أهمية المنطقة وما تحويه من آثار.