يدهشك هذا التناغم الرائع بين مخيلة الفنان وقطعة فنية يشكلها، للوهلة الأولى تشعر بأن المادة التي يستخدمها تحولت إلى جزء من يديه أو العكس فاكتسبت روحاً من سحر أنامله وبما تملكه هذه الأنامل من قدرة على تطويع ماهو قاسي وصلب لكن حتى الصلابة تنحني احتراماً لمن يهبها جمال الحضور وفرادة الشكل.

تشكيل الخيزران وتصنيع الأثاث منه هل هو فن أم حرفة هذا ما سألته elatakia لأديب منصور حين زارت مشغله الذي يعبق داخله برائحة جميلة للخيزران الخام فأجاب: هو فن بالطبع وفن يحتاج للكثير من الموهبة والدقة والصبر الذي يصبح ميزة لمن يمارسه فبعد خمسة عشر عام من التعامل مع الخيزران أصبحت أعمل لمدة 16 ساعة دون الشعور بالملل، صحيح أن إنتاج الأثاث وبيعه مصدر رزق لكن كل قطعة بالنسبة لي هي تحفة فنية، وعن خطوات هذا الفن الجميل قال أديب: يأتينا الخيزران الخام من عدة دول آسيوية لكن أغلبها من سنغافورة وتصلنا بأسعار مرتفعة وللخيزران أنواع مختلفة (منول-فرنسي-عربي)، ولونه هو لون الخشب العادي أما قشره فبني غامق وقبل بداية العمل بأي قطعة نعرض الخيزران للحرارة (النار) وهنا يأتي دور الخبرة في معرفة الوقت المناسب الذي وصلت به أعواد الخيزران إلى المرونة التي تمكننا من مدها وشبكها ببعضها بأشكال مختلفة، فنصنع الكراسي والطاولات وغرف النوم وحتى تجسيد أشكال الحيوانات للزينة، وبالمناسبة فهناك نوع من الخيزران هو الفرنسي يصل لدرجة مرونة بتنقيعه بالماء لمدة خمس دقائق، ونستغرق بتشكيل القطعة حسب حجمها فالكرسي مثلاً أربع ساعات بينما تلبيس غرفة نوم يحتاج لأكثر من شهر ثم نقوم بمعالجتها بدهنها بالسلر واللكر لحمايتها من الرطوبة، كما أن القطعة التي يمر عليها سنوات من التصنيع تكون أجمل من حيث اللون والخيزران عنده القدرة في حال الإهتمام به المحافظة على نفسه لمدة مئة عام، بعد التصنيع يشتريها التجار من دمشق وحلب ومنهم من يقوم بتصديرها إلى دول الخليج.

رغم حب أديب لفنه الجميل لكنه يعاني من صعوبات متعددة فلفتني إلى أنه لا يوجد باللاذقية إلا خمسة فنانين لتشكيل الخيزران ومنهم من يحاول تعليم من يملك الموهبة وهو واحد منهم حيث كان في مشغله أكثر من ستة أشخاص بين شاب وفتاة في أيديهم قطع مختلفة ومع ذلك لم يصنف هذا الفن بالنسبة لأي نقابة، فهذا الفن كما يقول أديب يجذب في كل صيف السياح العرب والأجانب إلى مشغله للمشاهدة لذلك يستحق الاهتمام والتشجيع وتصنيفه كفن حقيقي يشارك في المعارض والنشاطات المختلفة التي تحصل في كل موسم سياحي، يتابع أديب قائلاً "أود أن أشكر موقعكم لأنه الوسيلة الإعلامية الأولى التي اهتمت بفننا وعدّته جديراً بالاهتمام وهذا يشجعنا على المضي في تحقيق ما نصبو إليه بأن نثبت أنفسنا كفنانيين حقيقيين".