إلى الجنوب من طريق عام "حماة"، "سلميه"، وعلى بعد 10 كيلو مترات غرب المدينة، يقع قصر "ميرزا" الذي بناه الأمير "ميرزا مصطفى تامر"، في ثلاثينيات القرن الماضي من الحجارة البازلتية، لاستقبال سمو الأمير "علي خان" ولاحقاً سمو الأمير "كريم أغا خان"، والشخصيات السياسية والدينية الأخرى، وماتزال أطلاله شاهدة على حقبة من الزمن.

موقع القصر

يوضح الإعلامي "أمين ميرزا" 1953، حفيد "ميرزا" الجد، ان تاريخ بناء القصر الذي بناه جده الأمير "ميرزا مصطفى تامر" يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، في أرضه الزراعية الواقعة غرب مدينة "سلميه" على بعد 10 كم وشرق بلدة "تلدرة"، وسط أشجار الفستق الحلبي واللوز. ويضيف: "تحيط بالقصر ثلاث أقنية مياه تغذي قناة العاشق المشهورة والتي وصلت إلى مدينة "أفاميا" الأثرية في سهل الغاب، ويتألف من طابقين خصص فيه جناح لإقامة إمام الطائفة وعائلته وضيوفه خلال زياراتهم لـ"سلميه"، ففي عام 1930 أقام في القصر الأمير "علي خان" والد الإمام "كريم أغا خان"، ولشدة حبه لـ"سلميه" لقبوه بـ"علي السلموني" وفيه كان يستقبل حشود الناس القادمة لزيارته واللقاء به، كما أقام فيه الإمام "كريم أغا خان" بعد توليه الإمامة عام 1957، والعديد من أفراد عائلته، بالإضافة إلى أن جدي كان يستقبل فيه الشخصيات السياسية والدينية التي تزور "سلميه".

في الذاكرة

يتابع الإعلامي" ميرزا" حديثه للمدونة بالقول: "أذكر أنه عندما كنت في سن الخامسة زار الأمير "علي شاه" الملقب بـ"علي السلموني" القصر، حينها ذهبت مع إخوتي وأقاربي ورجال الدين وضيوف من "حماه" و"حمص" ومن جميع الطوائف لنسلم عليه، كان يلبس" جلابية" بيضاء وعباءة وبريماً وحطاطة على الرأس، وكانت نوافذ الغرفة التي أقام فيها من الزجاج الأخضر ما أعطى انعكاساً جميلاً ومريحاً للنفس، وكان قد أحضر زوجته وأقاما لمدة شهر في القصر وناما على سطحه كعادة أهل "سلميه" في تلك الحقبة، ومن ذكرياتي المؤلمة انهيار الشرفة الشرقية بسبب توافد الناس وازدحامهم ولم يتأذ أحد آنذاك إلا أن والدي كسرت يده، للأسف أن القصر الآن مهمل وأصبح عرضة للتخريب".

الإعلامي أمين ميرزا

وعن ذكرياته يقول المحامي "علي قنوع": " ما زلت أذكر تلك المشاهد الاحتفالية بقدوم الأمير "علي شاه" والد الإمام "كريم أغا خان" في زيارته السنوية لـ"سلميه" وإقامته في قصر "ميرزا"، فما إن وصل حينها حتى توجهت الحشود من المنطقة وريفها ومن محافظتي "حماة" و"حمص"، كانت الأصوات تعلو بالزغاريد والأغاني الشعبية، وكانت إطلالته من شرفة القصر تغمر قلوب الناس بالفرح والسعادة والتفاؤل، بالإضافة لسباقات الخيول وكانت من أهم الأنشطة الاحتفالية وكانت تقام في "المخربط" بالقرب من جبل "الخضر"، حيث كان الأمير "علي" يشارك فيها على جواده المعروف "هيفان" والذي كان برعاية الراحل "فهيم استانبول"، ويظل القصر ذكرى لا تخلو من القدسية مرتبط بتلك الزيارات والتي تنتقل من جيل لآخر، وقد أوصى الأمير بدفنه في أرض "سلميه" وكان له ذلك حيث دفن في حديقة مسجد الزهراء الرئيسي عام 1971".

حكاية القصر

وعن وصف القصر وتسميته يشير الباحث والأديب "غالب المير غالب" رئيس جمعية العاديات في "سلميه"، إلى أن القصر سمي بهذا الاسم نسبة لمالك أرض القصر "ميرزا مصطفى تامر"، وقام بتصميمه المهندس "وجيه نورية" من "حمص" منطقة "القصير"، وكانت أرض القصر أشبه بغابة كثيفة الأشجار، كان البناء يقع وسط ثلاث أقنية مياه جارية، وهو مؤلف من طابقين الأرضي منه عبارة عن مستودع ومطبخ، سقفه محمول على قناطر متصالبة من الحجر البازلتي الأزرق، والطابق العلوي مؤلف من عدة غرف نوم واستقبال، وتم بناؤه بمساعدة الأهالي الذين نقلوا الحجارة من جبال العلا بواسطة عربات تجرها الخيول، وقام بتنفيذ البناء طوعاً المعماري "مصطفى قاسم" من بلدة "تلدرة" المجاورة للقصر.

المحامي علي قنوع

ويضيف: وبعد ما تحددت الزيارة الثانية للأمير "علي شاه" بن الإمام "محمد سلطان شاه" عام 1928، كان بناء القصر لإقامة مؤقتة للأمير "علي شاه" وجدته أثناء زيارتهما، بالإضافة لشخصيات أخرى ومنها الكونت " قاسم لاما"، و"حميد خان"، وسمو الأمير "كريم شاه "في أول زيارة له في خمسينيات القرن الماضي.

ويقول "المير غالب": إن مساحة القصر ليست كبيرة ويبلغ ارتفاع الطابق السفلي 4 أمتار، والعلوي 3,5 أمتار، نوافذه طولية وسماكة الجدران 40 سنتيمتراً، والأبواب عالية 290×95 سنتيمتراً، والشرفات من البيتيون المسلح محمولة على مقاطع سمكها 15سنتيمتراً من الحديد، والمطبخ خارج البيت والدرج الواصل للطابق العلوي عرضه 106سنتيمترات وعدد الدرجات المتبقية 16 درجة.

الباحث والأديب غالب المير غالب

بدورها أضافت رئيس شعبة اثار السلمية المهندسة رانيا الخطيب ان الشعبة بصدد تسجيله في مديرية الآثار لما له من تاريخ وما يمثل في وجدان أهل سلميه والترميم سيأتي لاحقا في اطار التعاون مع شبكة الاغا خان ضمن الخطة المستقبلية.

وبقي القصر محافظاً على وضعه حتى سبعينيات القرن الماضي، حيث أهمل وتعرض للنهب والتخريب.