قبيل الإذاعة والتلفاز والجرائد، وقبل ولادة جل وسائل الإعلام المختلفة المرئي منها والمسموع والمقروء، كان المدفع من أهم الوسائل الإعلامية في بعض من الدول العربية والإسلامية للإعلان عن موعد الإمساك والإفطار في رمضان،فالصدفة وحدها كانت سبب ظهور مدفع الإفطار الذي أصبح على مر السنين من أهم الطقوس الرمضانية في هذه البلاد.

ويذكر التاريخ أن بعض الجنود في عهد الخديوي "إسماعيل" في مصر كانوا يقومون بتنظيف أحد المدافع الحربية فانطلقت منه قذيفة دوت في سماء القاهرة، وبالمصادفة كان ذلك وقت أذان المغرب في يوم من أيام رمضان، فاعتقد المصريون أن أمراً من الحكومة صدر بذلك وأنه تقليد جديد للإعلان عن موعد الإفطار إلى جانب الأذان، وصار المدفع حديث الناس وأعجبت بذلك الحاجة "فاطمة" ابنة الخديوي "إسماعيل" وأصدرت فرماناً بانطلاق المدفع وقت الإفطار والسحور، وأضيف بعد ذلك في الأعياد.

بحكم وجود مبنى تابع للجيش فإننا لا نستطيع الوصول إلى مكان الإطلاق، ولكن هي تلة يرها الجميع من فوق الأبنية العالية المحيطة، وأنا لا اعتقد انه هنالك مدفع تقليدي، أظن بأنها مجموعة متفجرات نارية يطلقها شرطي أو مجند مسؤول من الدفاع المدني ليس إلا

منذ ذلك الحين أو ما تلاه من هذا الزمان ومدفع رمضان ينطلق من منطقة القلعة في "اللاذقية"، حيث ارتبط بوجدان اللاذقانيين على مدى حوالي القرن، إلا أنه بقي إلى اليوم مجهول الفعل والطريقة التي يتم فيها عملية الإطلاق حيث أنه لا يبدو للعلن سوى دخان كثيف يرتفع من قمة تلة القلعة.

الحاج أبو احمد تاجر في سوق المقبي

حول هذا الحدث وماهيته وتأثيره، جال موقع eLatakia بين الناس في "اللاذقية" واستطلع أرائهم وما يعرفونه عن هذا المدفع وقصته، فيقول الحاج "حسن نداف" وهو في الثمانيين من عمره: «طوال عمري أعرف تلك التلة ومدفعها عند كل عيد ورمضان، أما ما الذي ينفجر أهو رصاص حي أم ألعاب نارية لا أكثر فأظنها وحسب الأوليين واللذين مروا وروا لنا القصة، أنه مدفع قديم يطلق منه مجند عسكري في الدفاع المدني طلقات معلنة عن وقت الإفطار وتثبيت اليوم الأول من كل عيد».

الحاج "أبو أحمد عبدو" يقول: «أنا تاجر في سوق المقبي القديم، ولدت في "اللاذقية" وما زالت فيها، عمر مدفع القلعة من عمر أجدادي، كانوا يرون لنا نحن الأطفال حينما نجلس كل مغيب، يحكى عن مدفع كبير يطلق طلقاته كي يبلغنا بموعد كل فطور وسحور، وبأول يوم عيد، لا أحد يعلم شيء عن هذا السر، بل هناك مجرد أقاويل تروى ونسمعها بين الحين والآخر».

الشاب مصطفى محمد

بعد غروب الشمس وقبل الإفطار (اضرب المدفع.. اضرب) مع هذه الكلمات اعتاد المسلمون ولأكثر من 560 عاماً سماعها قبيل إفطارهم وإمساكهم عن تناول السحور في كل يوم من أيام شهر رمضان، لتضرب المدافع منذ إعلان ثبوت رؤية هلال شهر رمضان 21 طلقة تبشيراً وإجلالاً، وسبع طلقات إشعاراً بموعد الإفطار، وعند الإمساك بعد السحور تسمع طلقة واحدة، كما أن للعيد كذلك سبع طلقات وفي بعض الدول العربية الأخرى 21 طلقة طوال أيام العيد الثلاثة.

الشاب "مصطفى محمد" يقول:«بحكم وجود مبنى تابع للجيش فإننا لا نستطيع الوصول إلى مكان الإطلاق، ولكن هي تلة يرها الجميع من فوق الأبنية العالية المحيطة، وأنا لا اعتقد انه هنالك مدفع تقليدي، أظن بأنها مجموعة متفجرات نارية يطلقها شرطي أو مجند مسؤول من الدفاع المدني ليس إلا».

الحقيقة هي أنه لا وجود للمدفع الحلم والقضية هي عبارة عن نوع من المتفجرات تغرس في الأرض عبر قاذف مثبت تعلو لمسافة 100م تقريباً ومن ثم تطلق حين إطلاقها صوت صغير نوعاً ما يتضاعف في الجو بفعل الهدوء الموجود خلال فترة إطلاقه، ليدوي الصوت عالياً وكأنه صوت لقذيفة مدفعية حقيقة.

الأستاذ المسرحي "أنس اسماعيل" قال عن ما عايشه من فرح المدفع في "اللاذقية"، حيث يقول:"عند بدايات الستينات من القرن المنصرم، كنا نتجمع صغاراً قبالة حي القلعة في "اللاذقية" وأيضاً عند ارتفاع حي الطابيات أو ما كان يسمى حينها بالدبجيات، كان المشهد جميل ترى الطفل ينتظر المدفع وبيده تكون كعكة رمضان أو قطعة حلوى صغيرة يباشر بأكلها فور سماعه انفجار المدفع الذي كان يظنون أنه موجود وهذا ما كنا نظنه حينها، وعند الانفجار ترى الأطفال تعود لمنازلها متراكضة فرحة بهذا المشهد حيث يبدو بدون إرتفعات تؤرقه ولا تلال تمنعه من رؤية المشهد الإجتماعي بالعين المجردة وعلى مقربة من مكان الإطلاق".