"شفا وخمير يا عرقسوس"، "بارد وخمير وتهنى يا عطشان"، هذه العبارات التي يغنيها بائع العرقسوس "أبو محمد عرباني" للإعلان عن شراب عُرف منذ القدم بمذاقه الحلو.

وللوقوف على هذه المهنة، تجول موقع "eDamascus" في سوق "الحميدية" والتقى "أبو محمد عرباني" أحد باعة العرقسوس في المنطقة، الذي يزاول المهنة منذ سنين طويلة ليحدثنا عنها قائلاً: «أعمل في هذه المهنة منذ ثلاثين عاماً عندما حضرت من بلدتي إلى "دمشق" للبحث عن فرصة عمل، فالتحقت بالعمل في محلات عصير القصب واكتسبت خبرة تصنيع المشروبات لفترة طويلة ثم راودتني فكرة أن أكون أنا صاحب العمل وأن أبحث عن رزقي بطريقة أخرى فكانت فكرة أن أقوم ببيع العرقسوس في الشوارع بعد أن أصبحت لدى خبرة كبيرة في تصنيع العرقسوس والتمر هندي والسوبيا والخروب».

أعمل بائع عرقسوس منذ سنوات وهي مهنة ورثتها عن والدي وعمي، ورغم أنها لا تتوقف طوال العام خاصة في أشهُر الصيف إلا أنني أستطيع القول إن لها مذاقاً خاصاً في "رمضان"

ويواصل "أبو محمد" حديثه: «إن هذه المشروبات تلقى رواجاً وإقبالاً كبيراً من المارة في المناطق الشعبية تحديداً خاصة في أشهر الصيف وخلال شهر "رمضان"، وهذا الشهر يعد بالنسبة لي كبائع للعرقسوس فترة انتعاش».

أبو محمد عرباني

أما "محمود النابلسي، أبو محمود" وهو أيضاً بائع عرقسوس، فحدثنا عن لباس بائع العرقسوس، قائلاً: «عُرف لباس بائع العرقسوس باللون الأسود أو الخمري خاصة، والذي يتمثل في السروال الواسع من منطقة الحجر والضيق من عند القدمين والسترة المزينة وتكون عادة بنصف ياقة، وهذه الحلة التراثية هي سمة وعنوان لبائع العرقسوس في كل أنحاء العالم العربي، وخاصة في "دمشق"، ربما لأن أفضل إعلان يقدمه البائع هو إظهار عراقة تاريخ الشراب الذي يبيعه عبر محافظته من خلال لباسه التراثي المتأنق والمبالغ فيه بحسب مقاييس العصر الحديث».

أما بالنسبة للأطباق النحاسية التي يستخدمها بائع العرقسوس، فأشار "أبو محمود": «عبارة عن طبقين من النحاس يطلق عليهما مسمى "برناقة" أو "الصاجات"، ويعطي لونهما نوعاً من البريق الذي يلفت الأنظار، ومن خلال ضربهما بحركات معينة تصدر أصوات تلفت نظر الزبائن والمارة، بالإضافة إلى المهارة في تقديم العرقسوس للزبون، بحيث يشعر الشارب بالسرور وهو يتناول كأساً صبت بطريقة بهلوانية بارعة».

بائع العرقسوس في القرن التاسع عشر في دمشق

"أبو جمال"، هكذا قدم نفسه قائلاً: «أعمل بائع عرقسوس منذ سنوات وهي مهنة ورثتها عن والدي وعمي، ورغم أنها لا تتوقف طوال العام خاصة في أشهُر الصيف إلا أنني أستطيع القول إن لها مذاقاً خاصاً في "رمضان"».

وعن صناعة العرقسوس نفسها قال: «كل شيء يتغير في هذه الدنيا، زمان كان تحضير العرقسوس يستغرق وقتاً طويلاً حيث كنا ننقع نبات العرقسوس في إناء زجاجي ليلة كاملة ومن ثم نصفيه عن طريق قطعة قماش نظيفة تسمى"شاش"، بعدها تبدأ عمليات التحلية والتعبئة في الإبريق النحاسي، أما الآن فقد أصبح التحضير أكثر سهولة ولا يستلزم نقعاً ولا إعداداً بعد أن تدخلت الآلات لطحن العرقسوس وبيعه على هيئة مسحوق سهل التحضير وبالتالي بإمكان أي شخص في "رمضان" أن يعده بنفس السهولة وتضيف الماء البارد إليه وتضعه في إناء زجاجي لتقديمه ساعة الإفطار».

مسحوق العرقسوس

وقد حدثنا الباحث التراثي الأستاذ " طارق مردلي" عن شخصية بائع العرقسوس، حيث قال: «تحظى شخصية بائع العرقسوس، التي يتكثف حضورها في مثل هذه الأيام خاصة مع الشهر الكريم، شهر "رمضان"، باهتمام متزايد من قبل الكبار والصغار، وتتسع الظاهرة لتشمل الخيم الرمضانية التي تقيمها المطاعم والمقاهي الحديثة والقديمة على السواء، ربما في محاولة لإضفاء بعض الخصوصية التراثية التي تذكر بمهمة الحكواتي وجلسات السمر الرمضانية في المناسبة الدينية».

وأضاف "مردلي": «لا يزال الناس ينظرون إلى بائع العرقسوس بإعجاب لبراعته في حمل أدواته الثقيلة المكونة من الإبريق الزجاجي أو النحاسي كبير الحجم الذي صنع خصيصاً ليحافظ على برودة العرقسوس طوال اليوم، ويحمله بواسطة حزام جلدي عريض يحيط بالخصر ويتدلى منه إناء صغير للأكواب، بينما يمسك بيده اليمنى صاجين من النحاس يصدران صوتاً مميزاً ويحمل في يده اليسرى إبريقاً بلاستيكياً صغيراً مملوءاً بالماء لغسل الأكواب التي استبدلت بالأكواب البلاستيكية، وقد يرتدي بائع العرقسوس طربوشاً فوق رأسه للفت الأنظار إليه ودلالة على اعتنائه بنفسه».

من جانب آخر، يشير "مردلي" إلى كلمة "عرقسوس"، حيث قال: «تشير المراجع إلى أن كلمة "عرقسوس" كلمة عربية الأصل تتكون من مقطعين، الأول عرق بمعنى جذر، وسوس بمعنى متأصل، فالكلمة تعني امتداد جذور النبات في الأرض، وتعني في بعض اللغات الأخرى الخشب الحلو، والسوس عبارة عن نبات معمر من الفصيلة البقولية ويطلق على جذوره عرقسوس أو أصل السوس، وهو مشهور في البلاد العربية منذ أقدم العصور وينبت في الأرض البرية حول حوض البحر الأبيض المتوسط».

وأضاف: «هذا النبات له قيمة علاجية عالية وقد عرفه "البابليون" منذ أكثر من أربعة آلاف سنة كعنصر مقوٍ للمناعة، كما عرفه "المصريون" القدماء وكان يقتصر استخدامه وشرابه على الملوك الفراعنة».