ـ "طائر الحوم" رواية متفردة بالغة الرقة والحساسية، إضافة إلى جرأته في التصدي لعدد من القضايا الشائكة التي تكاد تكون محرمة، هذا عدا عن معمارها الفني الجديد والمتميز.
وبقدر ماتوغل هذه الرواية في الماضي بحيث تبدو أقرب إلى سيرة الطفولة ، فإنها شديدة الحضور في الراهن ، في الهموم المعاصرة ، كما لاتغفل عن التنبيه لأخطار المستقبل لذلك ليس من السهل تصنيفها ضمن العناوين السائدة، أو حصرها في إطار ضيق.
إنها تذكر وبوح وتأمل، وتصل في أحيان كثيرة إلى مستوى الشعر الخالص ، دون أن تنسى خطها الدرامي الذي يجعلها إحدى أبرز الروايات التي صدرت في السنوات الأخيرة .
و"حليم بركات" روائي متميز راسخ القدم، قوي الحضور ، لايحتاج إلى تقديم أو تعريف.
عبد الرحمن منيف
ـ وهكذا يسافر الطائر "حليم بركات" من أميركـا إلى سورية ، إلى وادي الكفرون ، ويحط مطمئنا مبهورا وينادي طائر الحوم كزميل له ، وهما يحلقان معا في سماء الكفرون مثلك يا طائر الحوم إذن من ماض واحد هو ماضي الكاتب كذلك يتقمص الطائر ماضي الكاتب "الماضي الفردي".
إن "طائر الحوم" هو أيضا أبوه. هكدا يصف "حليم بركات" كيف اقترب من أبيه المحتضر ، «فاقتربت بوجل كما اقتربت من طائر الحوم المصاب».
و"طائر الحوم" كذلك أمه : «يرقد جسدها الصغير فوق رأسها وتتنفس بصعوبة. أضطرب كما اضطربت أمام طائر الحوم الجريح لا أدري ما أفعل. ولا يكتفي بركات برموز الطيران ليتحرر ويدخل في مصير من الخفة».
إن الحرية لا تكفيه إنه يبحث أيضا عما يطهره وينقيه من أدران العالم.
وكـما ارتفع في الفضاء سوف نراه يغتمر الأنهار ليغتسل فيها.
هكذا تتأرجح الرواية من طيران إلى وقوع، ومن ارتفاع إلى هبوط .
إن "بركات" يحب المرتفعات بقدر ما يكرهها، وهو يعرف ، كما يقول باشلار عن ريلكة ، «إن كل حلم بالطيران يتضمن السقوط البطيء أيضا»… إن الحلم بالطيران هو دلالة على شخصية جامعة بين السقوط والسمو عبرت القارات وحلقت فوق القمم ومع تحليقه ، يبلغ الطائر حليم بركات أقصى التطابق مع العنصر الروائي الذي تبناه .
في هذا الصدد، يقول "باشلار" : «ألسنا نجد هنا الذكرى الهائلة ، الذكرى السحيقة التي لا تعرف تاريخا للحالة الهوائية ، لحالة لاشيء فيها ثقيل ، لحالة تتحول المادة خلالها في داخلنا إلى خفة».
ولا يشمل هذا التحول الطائر "بركات" وحده ، بل نراه هنا كما انتقل من زمنه الفردي إلى الزمن الجماعي ، زمن الماضي الأرض ينتقل بهذا التحول منه ، هو الطائر الفرد ، إلى الطور الأخرى سكان القرية ، فأغلبهم طيور .
أميرة الزين
|