الصورة غير متوفرة

- لم تحاول معرفة ماحدث لاحقاً ، ولماذا اختفت تلك الأطياف ، وروائح الحشائش ، والصباح.

لم تسأل أمها كثيراً ، بعد أن كبرت ، عن السبب الذي جعل والدها يهجر العالم بأسره.

إنها منذ استطاعت حياكة سؤال في عقلها كانت لاهية عن العالم بحب الصبي الذي كبرت معه لحظة بلحظة. وعندما كان الأوان مؤاتياً لتفعل ذلك كانت قد نسيت تلك الأطياف والرائحة وصارت مشغولة بحلم القوة وبسط النفوذ على من يحيط بها ، والهروب.. الهروب المستحيل من ذكريات لياليها الماجنة مع حبيبها ، عندما كانت تخبره بجسدها كيف يمكن لامرأة عاشقة أن تختصر العالم بأسره عبر مساحة لاتتجاوز حجم سرير.



- وكان طبيعياً أن يأتي بعد ذلك مايزرع الخوف القديم ذاته في نفوس الناس.

اندلعت حرائق وشقاقات واغتيالات جماعية وتصفيات جسدية وحملات اعتقال وحصار مدن وقصف أحياء آهلة بالسكان .

وبدا أن النعرات الطائفية والمذهبية والعشائرية تستفيق من سباتها ، وتتسلل رويداً رويداً إلى مظاهر الفقر والحاجة والبطالة وكم الأفواه ، إلى جانب الخشية العميقة من يوم الغد الغامض القاتم.

وصارت النجاة عند الناس مرهونة إما بالصمت المطلق وغض النظر ، وإما بالدخول في لعبة البقاء .

وأي خيار آخر كان سيودي بالواحد منهم إلى مكان لاتعرفه فيه سوى الشياطين.



- كانوا قد تحلقوا حول بعضهم ، النساء والرجال والأطفال وركضوا بسرعة نحو القصر القديم بعد أن كبر الموت ، وجمعت تلك البقعة الملعونة رائحة الفقد.. لم يكونوا مهتمين بالانزلاق الدائم لزمنهم بعد الآن.

اختفى كل شيء. وعجوزهم الذي لم يتخيلوا يوماً غيابه ، يدخل في لوعة الحرمان والغياب.

إنهم يحبونه الآن أكثر مما مضى ، كعادة البشر في هذه الأجزاء من العالم.

كل شيء يأتي متاخراً .

والحياة رغم أهميتها لاتساوي قداسة الموت ، إنه خوفهم من المجهول.



- لاأعرف إن كنت منذوراً للجدران فقط..

جدران تشبه البيوت الجميلة ، جدران تشبه السماء المحيطة بالبيوت الجميلة ، جدران تشبه الهواء الداخل في السماء .

جدران تشبه روحي المعلقة في السماء ، جدران تسكن روحي المخطوفة بوصايا أبي ولعنة الأجداد.

جدران تخنق الأجداد فوق الخوازيق ، وخوازيق تلف الجدران بالصراخ ، وتعتلي صهوة قلبي ، وإلى عماء لانهائي تسير.

جدران تضيق عليّ ، تضيق .. تضيق .. فلا أعرف في أي تحول أنا ، وإلى أي تحول سائر..

من كنت وأنا مغيب عما يجري؟ ومن صرت حين فتحت عيني على دهشة العالم ، بعيداً عن موت أبي ودموع دلّا المدورة .. والخيانات؟



- هل خلقت لأجل شهوتك للقتل؟

أم خلقت لأجل شهوتي للموت؟

من منا صنع الآخر؟ من وجد قبل الآخر؟

أنا أم أنت؟

جسدي ضيق عليّ ، ولاأعرف لماذا خلقت ، ولماذا كنت ، ولست سواي منذوراً للعذابات ، وكل التواريخ الماضية والحاضرة واللاحقة للدماء.

لاأعرف إلى أين سأنتهي؟



- أنا حيدر ، حفنة الغبار ، أنا التراب الطائر في النور.

أنا المنسوخ من أبي ، وأبي المنسوخ مني.

أنا المخلوق من ضلع أنثى ، والمولود من رمشة أنثى.

أنا التائه الأبدي من سحرها إلى نحرها ، أنا من هربت نساؤه منه.

أنا آخر صلصال يموت من عناصره وتكوينه.

عودة