-من قصة الدجاجة المسحورة
هممت بالخروج لأتفحصَ دجاجتي، وما إن نهضت حتى سمعت صوتاً غريباً، صوتاً جعلني أقف جامداً، متيقظاً، أصخت السمع، تناهى إليّ طرقاً خفيفاً على أرض الديار.. طرقاً راح يتتابع وفق إيقاع محدد.. طق طق، طق طق، وهنا توقف العم لطوف للحظات خالها بعضهم ساعاتٍ فراح يستنطِقُه: "إي، وبعدين" يا حاج...
عدّل العم لطوف من جلسته، شدّ جذعه إلى فوق، دفع بصدره إلى الأمام ورفع رأسَه قليلاً تمعن في وجوه الناس ثانية، ثم مضى يقول:
فتحت باب الغرفة، فإذا بي- يا ناس- أرى أمراً عجباً...!
جاءته أصوات سريعة متداخلة: ماذا.. ماذا رأيت يا حاج؟
تابع العم لطوف:
والله يا جماعة الخير، أظنكم لن تصدقوا ما سوف أقوله، أعني ما رأته عيناي...
صوت نزق تعالى من بعيد إي والله نشفت ريقنا! قل يا رجل، قل ماذا رأيت؟
قال العم لطوف.. وهو يبتسم لتعليق الرجل وتهافته:
والله يا جماعة، ما إن فتحت الباب حتى رأيت اثني عشر صوصاً يسيرون خلف أمهم وقد انتعلوا قباقيب خشبية من ذلك النوع الذي يصنعه النجار عبد الله القباقيبي.. نعم اثني عشر صوصاً ينتعلون قباقيب خشبية...!
ارتفعت في سماء المقهى بعض عبارات الدهشة والاستغراب... وسرعان ما.. ضج المقهى بالتصفيق والضحكات وصيحات الإعجاب، والمطالبة بحكاية أخرى..
وقف صاحب المقهى ليعلن للجميع: "الحكاية الأخرى ستكون في الليلة القادمة..".
-من قصة "البطيخة العملاقة"
جاء الفرج يا امرأة.. سوف تحلُّ مشكلاتنا..! ها قد عوضتنا الأرض.. الأرض يا أم محمد لا تنسى أحبابها، لا تخذُلُهم وقت الشدة..! فركت كفيَّ ببعضهما.. ابتسمت، سألت أم محمد عن حاجتها وحاجة الأولاد من السوق.. ومضيت، ركضت سريعاً.. قفزت مثل الأطفال.. توقفت على الطريق للحظات.. تعاتبت مع نفسي، بسبب حرمانها من تذوّق تلك البطيخة، وكذلك حرمان أمّ محمد والأولاد.. ولكني عدت، وبررت سلوكي بالواقع التي فرضت نفسها، ومنيت النفس بتعويض أفضل وأجمل..! لن أطيل عليك، وصلت الخان، كان التاجر يتصدر غرفة خلف الباب الكبير، كان يهرج مع جماعة من التجار الآخرين، وما إن وقعت عيناه عليَّ حتى عبس وقطب.. وتساءل:
نعم..؟
قلت: أنا صاحب البطيخة..!
قال: أية بطيخة..!؟
قلت: البطيخة التي..!
فقاطعني وكأنه يتذكر.. نعم.. نعم.. تعال، وقادني إلى داخل الخان، مشيراً إلى كومة كبيرة من قشور البطيخ..! وقال:
تلك هي بطيختك يا لطوف هيّا احملها.. كاد السوق يغلق بسبب فساد لبّها وروائحه النتنة..!
أدهشني جوابه.. فتناولت قشراً.. تذوقت ما بقي عليه من لبّ، كان حلواً، حلواً كالعسل..! قلت للتاجر:
إنه حلو، حلو كالعسل..! وليس فيه فساد..!
لكن التاجر انتفض غاضباً.. وراح يزمجر جامعاً كلّ رجاله، وبعض الشرطة من حراس السوق: هيّا.. هيّا يا لطوف.. حيّا احمل قشورك وامض.. لا تقف.. هيّا ابتعد.. ابتعد..!
فماذا تراني أفعل بعد ذلك يا عمر..؟! حملت القشور.. وغادرت السوق حزيناً حائراً..! حطتني قدماي هنا جلست للراحة.. فالتَفَّتْ حولي -كما رأيت- تلك المخلوقات الأنيسة..! وكان ما كان..!
فلماذا فعل التاجر ذلك..؟ لست أدري..!
ولكنني متأكد من أنهم في السوق قد التهموا اللب.. نعم التهموا اللب الحلو.. اللب الأحمر الشهي.. وحتى البذور العسلية المكحلة.. لم يتركوا منها شيئاً.
|