-وقال: لاتتخل عني، لقد أتعبتني،

وقالت له: في كل ليلة وعند انتصافها، أنهض من فراشي ساعية إلى دفئك، انتظرك طويلاً ، وعندما ألمحك قادماً أفتح لك قلبي قبل أن أفتح لك بوابة منزلي، أضمك إلى صدري، أتحسس وجهك بأصابعي وشفتي ثم أقودك إلى الداخل.

-وأسير مترنحاً، أستجمع قواي وأعدو وأنا أصرخ باسمها، الأزقة تفتح ذراعيها لي، أعدو، الدروب تتسع، ونداءاتي تملأ جوف المدينة الميتة، ولا أسمع في جنباتها غير صوتي، فجأة تضيق الدروب وترغمني على الحدّ من اندفاعي، ألمح وجه "نارا" ينير لي الدرب فأعدو يندفع رجال خلفي، يحملون سكاكينهم ورماحهم، أركض بأنفاسي الخائفة، أصوات خيول وأبواق تأتي من خلفي، أستميت في بحثي عنها، أقول في داخلي:‏

ـ عليَّ أن أجدها قبل أن يصلوا إليها، ليقتلوني إذا شاؤوا....ليس مهماً...أريد حمايتها من خطرهم وإخراجها من هذه المدينة، عندها عليَّ أن أواجههم بجراحي وحبي.... وسأنتصر مهما تكاثروا.‏

-مراحل الانتقال إلى عالم الحلم أعدت باقتدار، وها أنا في الفراش أستسلم له، وأعطي لجسدي الموافقة النهائية كي يسترخي ويرمي أثقاله وأتعابه، انطفأت شعلة اليقظة من عيني، وشعرت أنني أنتقل إلى عالم أعرفه، سرت في أزقة مختلفة، وعبرت شوارع متسعة، تسكعت في حدائق مقفرة، وشربت حتى الارتواء من مياه نهر قريب.‏



-يا مسافراً أتعبه الوصول إلى مدائني وأرهقه الرحيل، يا صديق عمري أحرق الزمن وهذه المشاعر اليائسة التي خلفتها في قلبي وذاكرتي، شوقي لرؤيتك دام أربعاً وعشرين سنة "سنوات عمري" عرفتك قبل أن أراك، كنت أعيش بك وتعيش في داخلي من خلال أشعة الكلمات ووهج الألم الصادق، ذلك المعبد الذي ضمنا إليه لنبدأ صلاتنا غرباء وننتهي منها أصدقاء أحبة إلى انتهاء الأبدية، أنا لن أكون عبئاً عليك، دعني أعش معك على طريقتي، دعني أكن حرفاً في دفترك، دمعة في عينيك، وتراً يغني نغمة الحزن في أعماقك الواسعة الغامضة كالبحر الذي أحبه وأخاف الغوص فيه، كم أتمنى أن أبقى لقاربك شراعاً تمزقه عواصف القدر شرط أن تعود إلى الشاطئ سالماً كي تستطيع رثائي بكلماتك النافذة كالخنجر في صدر الزمن وذاكرة الأيام.‏

عودة