ولدت هذه الرواية رغماً عني في عام 1972، عندما كنت مقاتلاً في إحدى سرايا الدفاع الجوي، على الخط الأول قبالة العدو الصهيوني.
وكنت أكتب فصولها في الليالي على ضوء مصباح بترولي صغير، وأنا أقيم في حفرة مغطاة بقطعة من قماش الخيم مع جماعة من المقاتلين. حيث كنا في أغلب الأيام نتصدى لطائرات العدو، فتنشب معارك طاحنة تستمر ساعات طويلة كنا خلالها ندمر بعض الطائرات ونفقد بعض المقاتلين الأعزاء.
وفي السادس من تشرين الأول عام 1973 عندما أزفت لحظة بدء المعركة، وتبلغنا أمر الزحف لتحرير الأرض المحتلة، لبست ثياب الميدان وتقلدت سلاحي ثم نظرت حولي مودعا ً خيمتي "التحت أرضية" ومن بين كافة أشيائي الخاصة أخرجت مخطوط الرواية من تحت وسادتي، وكتبت عليه عنواني مع رجاء من كل عدو وصديق يجد هذا المخطوط فيما لو قدر لي أن أحظى بشرف الشهادة أن يرسله إلى عنواني في بلدتي. ووضعته في جعبتي التي أحملها. وخلال ساعة من الزمن كنا تخترق خطوط العدو تحت وابل من القصف الكثيف المتبادل الذي لم يشهد له التاريخ مثيلاً بعد الحرب العالمية الثانية وحتى حرب الخليج. فقد كانت آلاف المدافع الثقيلة وآلاف الدبابات من كلا الجانبين تقصف في وقت واحد إضافة إلى مئات الطائرات التي تدك المعاقل والحصون .
وقدر لي أن أنجو من ذلك الأتون الملتهب وأعود إلى حياتي العادية. ونام المخطوط في أحد أدراج مكتبي مدة تقارب الثلاثين عاماً حيث وقع بعدها في يد أحد أولادي بينما كان يعيد ترتيب بعض الكتب وأثارني اهتمامه بإعادة طبعه لئلا تفقد هويته وانتماؤه إلى الزمن الذي كتب فيه.
وهاأنذا أضعها بين يديك عزيزي القارئ متمنياً أن تسمع بعض الأصوات الانسانية والوطنية والقومية التي تنساب بين سطورها.
|