تشكّل ساحة "النجمة" في مدينة "السويداء" موقعاً أثرياً ذا صلة بالعصور المعمارية التاريخية القديمة، التي حفزت الباحثين في علم الآثار لاستكشاف المزيد من الخفايا المدفونة تحت ترابها، وهي التي تحولت اليوم إلى ساحة يطلق عليها اسم ساحة "نجمة"، بينما يحلو للبعض تسميتها بساحة "الدبابة" بعد تسميتها باسم أحد شهداء العقد المنصرم.

تنقيبات ولقى أثرية

يوضح الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" في حديثه لمدونة وطن، بأن ساحة" نجمة" أو "قصر نجمة" يقع غرب مدينة "السويداء"، ويبدو أن العمائر فيه أوحت لسكان المنطقة بوجود قصر، وعلى الأرجح أخذت هذه التسمية وتمت نسبتها لمنطقة "نجمة" في المدينة.

تقع الساحة على هضبة غير مرتفعة لكنها ممتدة على مساحة جيدة، سمحت بوجود عدد لا بأس به من المدافن، ومن خلال المسوحات الأثرية في الموقع تم تحديد ما يزيد على 31 مدفناً متشابه الطراز من الناحية المعمارية.

الباحث الدكتور نشأت كيوان

ويشير الباحث "كيوان" إلى أنه تم إجراء تنقيبات أثرية منهجية في عدد من المدافن، كنماذج لمعرفة ماهيتها والتصميم والبنية المعمارية للمدفن الذي كانت يغطيه تراكمات ترابية مختلطة مع حجارة متعددة الأحجام، وقد بدأت بعثة فرنسية العمل في الموقع في أحد المدافن، وخلصت إلى أن المدفن دائري الشكل ومتوسط المساحة، بُني بحجارة مشقوقة وبطريقة نحت غير متقنة، وعلى بانيتين الخارجية تعطي المظهر العام للمدفن، وداخلية شكلت حاملاً على شكل ميازين أو خرجات تحمل بلاطات السقف "ربدات"، ويتوسط المدفن عمود مركزي مضلع لحمل السقف وتقليص المسافة بين البلاطات الحجرية، ويبدو أن مدخل المدفن كان من الجهة الشرقية، وهو منحوت بشكل جيد وله باب حجري "حلس" من درفة واحدة، والشيء المميز أنه كان يتقدم المدفن من الشرق بهو عريض على الأرجح كان يستخدم لإجراء طقوس دينية جنائزية معينة قبل الدفن.

ويضيف "كيوان" : "جرت في الموقع أعمال رفع طبوغرافي لمعرفة توضع هذه المدافن، وجرى استكمال أعمال التنصيب الأثري، وتم ترقيم المدافن ودراسة مدى الترابط بينها، واذا ما كان الطراز المعماري موحداً أو متشابهاً، ويبدو أن النتائج بينت وجود تشابه في عمارة هذه المدافن من ناحية الشكل الدائري أو شبه الدائري، مع وجود عمود مركزي، وتبين أن عدداً من هذه المدافن كانت تتألف من طابقين، وكانت طريقة بناء حجارة الجدران متشابهة، ويبدو أن كل مدفن كان مستقلاً بذاته، و تتشابه مع مدافن عصور البرونز في الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد".

الباحث الأثري خلدون الشمعة

مدافن قصر نجمة

من الآثار القديمة لساحة النجمة

بدوره يستعرض الباحث الأثري "خلدون الشمعة" في حديثه، الدلالات التاريخية للمدافن المكتشفة في الساحة ويقول: "من خلال اللقى الأثرية، وغالبيتها فخارية مثل السرج والأواني الجنائزية، فقد تم تأريخ هذه المدافن ونسبتها للعصر الهلنستي، ومن ضمنه الفترة النبطية والتي تعود للقرنين الثاني والأول قبل الميلاد، ومن بين هذه اللقى كما أسلفنا، سرج وجرار فخارية كبيرة وصغيرة، وأساور برونزية وخواتم وهذه كانت توضع مع المتوفى".

ويلفت "الشمعة" إلى أن مدافن قصر نجمة، هي من نوع المدافن الجماعية وليست الفردية، وكذلك بعضها مؤلف من طابقين ويندرج تحت مسمى المدافن المختلطة حسب طراز عمارتها، وكانت تتراوح أقطار المدافن بين 4 و7 أمتار، وقد عثر في بعضها على جماجم بشرية كانت تزيد في إحداها على عشرين جمجمة متوضعة بجانب أو فوق بعضها البعض دون تنسيق أو توحيد في نظام الدفن، كما عثر في بعض المدافن على خرز متعددة الألوان وأقراط وتمثال فخاري لرجل وامرأة.

يقول "يامن الحيكم" من أهالي المنطقة المجاورة لساحة "نجمة": "منذ عقود زرع الأهل والأجداد في ذاكرتنا أنها ساحة نجمة أو قصر نجمة، وهذا المكان المعروف تاريخياً بات اليوم ساحة كبيرة، وخلال العقد المنصرم تمت تسمية الساحة بساحة الدبابة لاستشهاد أحد أفراد الجيش العربي السوري من أبناء المدينة، وهو قائد دبابة وسميت اليوم باسمه وباسم دبابته".