لم تقف صعوبات الحياة ومشاقها حجر عثرة أمام حلم "عمار عبد الباقي العثمان" في إتمام رحلته العلمية، فكان في كل مرة يتعثر فيها بمراحل دراسته يعود وينهض من جديد ليحقق ما يصبو إليه على مقاعد الدراسة، ولينال أخيراً الشهادة الجامعية ويصبح مدرساً لمادة اللغة العربية في مدارس مدينته "القامشلي"، وهو الذي كان سابقاً مستخدماً فيها.

رحلة شاقة

يروي "عمار" بعضاً من مراحل حياته الدراسية المليئة بالمشاق، والتي كانت تتوقف مراراً عند كل محطة ويقول: «رحلة المعاناة بدأت في مرحلة مبكرة، عندما كنتُ طالباً في المرحلة الابتدائيّة، تركت قريتي الريفية، متجهاً لمدينة "القامشلي" لإكمال الدراسة، كنّا أنا ورفاق لي في أعمار صغيرة حينها، أرهقنا التنقل الكثير وعدم وجود من يتدبر شؤوننا، ولكننا أكملنا الدراسة حتى الوصول إلى مشارف المحطة الأهم وهي الشهادة الثانوية».

دائماً ما نكون داعمين ومساندين لقصص النجاح، وقصة نجاح "عمار" تستحق التكريم والتحفيز، نهدف من ذلك لينهج نهجه آخرون، ومن يطمح لمتابعة تحصيله العلمي، حتّى لو كان موظفاً في الفئة الخامسة

ويتابع "عمار" بالقول: «لم يسعفني الحظ كثيراً فمصاعب الحياة وتحدياتها كانت أكبر مني، فقررت التوقف عن الدراسة والتوجه لخدمة العلم، وما إن أنهيتها حتى عاد حلم الحصول على الشهادة الثانوية يراودني مجدداً، وبعد توقف دام لسنوات عدت إلى مقاعد الدراسة مجدداً ونلت الشهادة الثانوية وعيوني تتطلع إلى مقاعد الجامعة».

في إحدى المدارس

طريق معبد بالصعاب

يكرم في مدرسة العروبة

بعد نيله الشهادة الثانوية، ظن "عمار" أن الطريق إلى الشهادة الجامعية بات مهيئاً أمامه ولكن مشاكل الحياة لا تنتهي، ويقول: «اعتماداً على الشهادة الثانوية، اتجهتُ لتدريس ساعات كوكيل في عدد من مدارس ريف "القامشلي"، تنقلت لعدة سنوات بين أكثر من خمس قرى، لم يكن الأمر هيناً، المدارس كانت بعيدة جداً عن مكان إقامتي، أحياناً كنت أضطر للنوم في المدرسة التي أعلّم فيها، وأحياناً أخرى تحلُّ عليّ ساعات المساء وأنا في الطريق، هذا الحال ولديّ زوجة وأربع بنات».

في عام 2009 تعيّن في مدارس تربية "الحسكة" بصفة مستخدم بعد النجاح في مسابقتها، لم يستطع حينها تعديل شهادته، فاضطر للتقدم إلى الشهادة الثانوية مرة ثانية ونال مجموعاً جيداً يؤهله للدراسة في أي فرع جامعي، وسجل في قسم اللغة العربية.

يضيف "عمار" : «بهدف التنسيق بين دراستي الجامعية ودوامي في المدرسة، اخترتُ هذا الفرع الجامعي، طبعاً في هذه الأثناء ازداد عدد أفراد أسرتي، لدي ست بنات، مع زوجتي وانضم إلى أسرتي والدي ووالدتي، الكل وقف معي وساعدني، كنا أنا وبناتي ندرس معاً في غرفة واحدة، شجعنني وشجعتهن، حتى وصلت للسنة الثالثة والتي اضطررت للتوقف عندها، بسبب مرض أخي ومرافقته إلى "دمشق" لعلاجه من مرض السرطان، ومع الأسف فارق الحياة بعد عامين، وبعد وفاته عدت للجامعة مجدداً، كانت لدي فرصة واحدة لتدارك الاستنفاد، ترفعت للسنة الرابعة، كنتُ أدرس في كل مكان في العمل والمدرسة والبيت وفي الشارع».

عام 2019 نال الشهادة الجامعيّة، بفضل الأسرة كاملة حسب تأكيده، وهو يقف الآن معلماً مجازاً في مدارس تربية "الحسكة"، بعد أن كان مستخدماً في تلك المدارس، ويحظى باحترام كل من عرفه ورافقه.

قصص نجاح

المديرة "نجاح العلي" أشادت بكل ما قدمه "عمّار" في مدرستها خلال فترة خدمته كمستخدم، مبينة بأنه إنسان شهم ونبيل، يلتزم بالواجبات الموكلة عليه، ينفذها بصمت وهدوء، كسب محبة الجميع في مدرسة "العروبة" في مدينة "القامشلي"، وتقديراً لتميزه ونيله الشهادة الجامعية في ظروف صعبة، تم تكريمه في مدرستنا بمناسبة عيد المعلم.

تكريم آخر حظي به من مديرة تربية "الحسكة" "إلهام صورخان" التي قالت: «دائماً ما نكون داعمين ومساندين لقصص النجاح، وقصة نجاح "عمار" تستحق التكريم والتحفيز، نهدف من ذلك لينهج نهجه آخرون، ومن يطمح لمتابعة تحصيله العلمي، حتّى لو كان موظفاً في الفئة الخامسة».

"عمار" من مواليد قرية "الشيبانية" في ريف "القامشلي" مواليد 1979، وقد أجريت اللقاءات بتاريخ 18 آذار 2022.