كان الشاب "خالد وحود" 1992 ابن "دير عطية" طيلة عشر سنوات أحد حماة مطار "كويرس"، التحق بخدمة العلم من دون أن يكون قد حصل على شهادة التعليم الأساسي، لكن خلال خدمته في المطار أصرّ على متابعة تحصيله العلمي رغم ظروف الحرب وحصار إرهابيي "داعش" للمطار، فتمكن من الحصول على شهادة التعليم الاساسي فالثانوية العامة ومن ثم الشهادة الجامعية، وأصبح على مشارف الحصول على الماجستير.

يقول "وحود" في حديثه لــ"مدوّنة وطن": "لم تتسنَ لي متابعة التحصيل العلمي، فقررت الالتحاق بخدمة العلم كان ذلك في تموز 2010 وكانت خدمتي في مطار "كويرس" العسكري، الذي أمضيت فيه عشر سنوات إلى أن انتهت خدمتي مطلع شباط 2021، ظل المطار وخلال سنوات "أشهر من نار على علم" نتيجة تعرضه لمئات الهجمات من قبل إرهابيي "داعش" فلم يهنأ لنا بال ولم يغمض لنا جفن طيلة تلك السنوات".

ويضيف: "بسبب الحصار المفروض على المطار كنا نعاني من نقص كبير في المواد، لهذا مارست دور الفرّان عندما كان الأمر يستدعي ذلك وخاصة في ظل النقص الحاد بالخبز، كنا كحامية المطار من قادة وضباط وعسكريين نتصدى لهجمات "الدواعش" ملحقين بهم خسائر في العداد والأرواح".

من أرض المطار

التحصيلُ الدراسيّ

في مخبز المطار

ورغم كل الظروف الصعبة حقق "خالد" أمنيته في متابعة تحصيله العلمي، حيث تقدم لامتحان الشهادة الإعدادية التي حصل عليها، ليتقدم بعدها لامتحانات الشهادة الثانوية، فنجح بمعدل جيد أهّله لدخول الجامعة فكان له ما أراد.

يتحدث "خالد" عن هذه الفترة الحرجة التي عاشها في مطار "كويرس" أثناء التحضير للامتحانات سواء الإعدادية أو الثانوية أو الجامعية، فيقول: "خلال العشر سنوات واكبت جميع الأحداث التي عشناها هناك، حلم متابعة الدراسة والحصول على شهادات المراحل الثلاثة الإعدادية والثانوية والجامعية لا يفارقني أبداً .. فقررت مواصلة الطريق عندما تقدمت إلى امتحانات الشهادة الإعدادية، فكان عليّ أن أذهب من ريف "الرقة" حيث المطار إلى مدينة "حلب" لتقديم الامتحان، وبفضل الإصرار والتصميم وبغض النظر عن الظروف المحيطة حصلت على شهادة ( التاسع )".

بلباس التخرج

ويتابع حديثه: "في الوقت الذي كنا فيه نتصدى للهجمات الإرهابية من قبل عناصر "داعش"، والتي كان يصل عددها في اليوم إلى أكثر من مئتي هجوم، تقدمت إلى الترشح لنيل شهادة الثانوية العامة في "حلب" ونجحت بتقدير جيد، حينها قررت خوض الامتحانات الثانوية وذلك عام 2019، وقد كان النجاح من نصيبي وأهلني لمتابعة الدراسة الجامعية في أكاديمية "جلجامش" للطهي الأولى في "دمشق" والتابعة لوزارة السياحة حيث كانت رغبتي، وقد حصلت على منحة دراسية خاصة بالعسكريين ومن خلالها نلت شهادة الدبلوم الفندقي شيف عام".

على ضوءِ القمرِ

ولا ينسَ خالد خلال أيام الدراسة واجباته تجاه وطنه ورفاق السلاح في المطار فيقول : "أحياناً كثيرة كنت أدرس وأنا في مناوبة الحراسة، مستغلاً ضوء القمر كفانوس لأنّ استخدام الأضواء في المطار مهما كانت بسيطة ممنوع، فلم يكن أمامي إلا الدراسة على ضوء القمر، وكثيراً ما كنت أقوم بمهام الحراسة عن رفاقي لكي أجد وقتاً ومجالاً للدراسة".

ويختم حديثه قائلاً: "لقد أصبح حلمي الآن واقعاً ملموساً، يمتزج بعطر النصر على أرض صنعتها بعزمي وإصراري من أجل أن أرى الفرحة تكسو محيا أمي، ها هي البسمة تعانقني بعدما حققت لأمي حلماً طال انتظاره، تزدحم مشاعري فرحة بما أنجزته خلال عشر سنوات من خدمتي العسكرية والدراسية".

شكرٌ وتقدير

ولأنه كان محطّ إعجاب وتقدير رؤسائه نال الكثير من الثناءات والتقدير وبطاقات الشكر، ويتذكر "خالد" البطاقة التي وجهها مدير الكلية الجوية في حينها لذويه، والتي جاء فيها :إن ولدكم كان مثال الجندي البطل المؤمن بأرضه ووطنه، كان تصديه للعصابات الإرهابية مفخرة لنا جميعاً فبورك الرجال أمثال ولدكم الذي قاتل الإرهابيين قتال الأبطال، رافعاً رأس الوطن عالياً، مؤكداً التزامه الوطني بالدفاع عن الوطن وصون كرامته وعزته وشرفه، ووقف كالطود الشامخ أمام الإرهاب ونزعته الوحشية فهنيئاً لكم ولدكم وبورك البيت الذي تربى وشب فيه".

مصدرُ فخرٍ

من جانبها أعربت السيدة "رندا الزحيلي" والدة "خالد" عن فرحها وهي تتحدث لــ"مدوّنة وطن" عن فلذة كبدها معتبرة أن ما حققه ابنها من نجاح بظروف صعبة، كان إنجازاً كبيراً وعظيماً تجلى في أعمق صورة، عندما كتب مع رفاقه في المطار ملحمة الصمود والتصدي والنصر على "داعش" وإرهابه مسطرين حكاية عز ورفعة، ودونوا رسالة حب للوطن تجلت مظاهرها في ميادين الواجب والحق، وشكلت قيم الشجاعة والبسالة والانتماء والولاء منطلقاً لهم في مواقفهم النبيلة للذود عن حمى الوطن ونصرة الحق ورفع الظلم، مشيرة الى أبرز الصفات التي يتصف بها "خالد" (الطيبة - الأدب - الذكاء - النباهة - التقى - الورع - الزهد- المبادرة).

فيما علّق عمه السيد بسام وحود، قائلاً لـ"مدوّنة وطن": " لقد عاش "خالد" ظروفاً اقتصادية صعبة، في ظل أسرة مكافحة بالكاد توفر أدنى احتياجاتها الأساسية، ولكنه تفوّق واجتهد في دراسته وتمكّن من الحصول على شهادة جامعية رغم الظروف الصعبة التي عاشها.. هو شاب طموح سعى للحصول على النجاح والتفوق من أجل تغيير واقع أسرته المؤلم ليقوم بواجبه أيضاً تجاهها فكان مثال المكافح العصامي".

طاقةٌ إيجابيّةٌ

شكّل نجاح "خالد" طاقةً إيجابيةً لرفاقه في المطار وأصبح مصدر فخر واعتزاز لهم، يقول رفيقه في السلاح "سليمان ناصر" لــ"مدوّنة وطن": " كان "خالد" طيلة سنوات خدمته العسكرية رجلاً متحملاً مسؤوليته القتالية يحمل وعياً وبصيرة وفطنة وذكاء، امتلك القدرة على أداء الواجب على أكمل وجه، وخاصة بعد متابعة دراسته حتى تخرج من المرحلة الجامعية وقد كان محل إعجاب من عرفه في المطار، فكانت لديه القدرة على القيام بواجباته القتالية والدراسية.

ويشهد رفيق دربه "خالد دره" فيقول : "ما يميّز "خالد" أنه كان محل إعجاب من عرفه، فلديه القدرة على التأثير الإيجابي السريع، فالابتسامة لا تفارق محياه فهو البشوش المبتسم وهو من يهتم برفاقه الجنود المقاتلين في المطار، ويتلمس احتياجاتهم ويعمل على تأمينها".