200903231030011

ولدت عام 1944م في مدينة "حلب" في حي من أحياء "حلب" القديمة وهو "باب قنسرين"، ودرست في "حلب" وتخرجت في الثانوية العامة في ثانوية "هنانو" ثم تابعت الدراسة في قسم اللغة العربية بجامعة "دمشق"، ولم يكن في ذلك الوقت كلية في "حلب"، ثم بعد ذلك أديت خدمة العلم بعد التخرج في جامعة "دمشق" عام 1968م وكنت الأول على الدفعة، وكان ممن تخرجوا معي الدكتور "مصطفى جطل" وهو في عمري، وكان متقدّماً علي بسنة دراسية، ودرسنا على شيوخنا رحم الله من توفى منهم وأمدّ في عمر الباقين منهم، ثم بعد تأدية خدمة العلم أوفدت بعد أن عُيّنت معيداً إلى "القاهرة" فحصلت على "الماجستير" ثم حولنا الإيفاد إلى ألمانيا وحصلت على الدكتوراه من جامعة "الكسندر فريدريش ارلنغن" بألمانيا الغربية عام 1982م، وعدت إلى العمل في جامعاتنا السورية، إلى "جامعة تشرين" أولاً ثم إلى جامعة "حلب"، لكن خلال عملي الجامعي ألقيت محاضرات ودرّست في جامعات القطر في جامعة "دمشق" وفي جامعة "البعث"و"تشرين" و"حلب"، وأيضاً ذهبت أستاذاً زائراً فحاضرت في "جامعة ليون" بفرنسا، وجامعة "محمد الخامس" في "المغرب"، وجامعة "تعز" في "اليمن" التابعة لجامعة "صنعاء" حينئذٍ، و جامعة "البحرين"، وأخيراً في "جامعة قطر"، ثم استقرَّ بي المطاف هنا في جامعة "حلب"

هذا صحيح، لدي مكتبة بدأتُ بجمعها وأنا طالبٌ في الحادي عشر في الثانوي، وكان الفضل في ذلك لأستاذ اللغة العربية الأستاذ "عبد الوهاب الصابوني" رحمه الله، وهو الذي غرس في نفسي حبَّ الكتاب، وحب اقتنائه والعناية به، واستمرّ هذا الحب حتى يومنا هذا، ونسأل الله ألا ينقطع، ولذلك عندي مكتبة ضخمة كاملة فيها قسم تراثيٌّ كبير، ولدي مجموعة كبيرة من دواوين الشعر النادرة، ومجموعة من كتب اللغة والنحو والمعاجم، تكاد تكون كاملة، وكتب حديثة منوّعة على اختلاف الفنون والموضوعات، وقد بلغ عدد تصنيفاتها إلى عشرة آلاف عنوان إن لم يكن أكثر، وكل عنوان وراءه عشرات الكتب، فهناك عنوان مثلاً وراءه 24جزءاً أو أربعة أو خمسة في كل تصنيف، وهي تقريباً وقفٌ على طلبة الدراسات العليا، لا أردّ سائلاً، مع أنّ هذا الأمر عرّض المكتبة لفقدان كثيرٍ من كتبها، فمنهم من يستعير منها ولا يردها

لا أخفيك سرّاً أنني كثيراً ما أحار أمام شخصية الصديق الدكتور "صلاح كزارة"، فحيناً يخيّل إليّ أنني أراه وهو يخرج توّاً من دكاكين الوراقين، في بغداد، متأبّطاً آخر ما استنسخوه أو استنسخه بنفسه كأمهر الورّاقين، وحيناً أراه يخرج من صفحات الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) وهو يتحدّث عمّا استجدّ في عواصم العالم الثقافية.

وحيناً أراه يتجوّل كأيّ مكتبة حيّة مكتظّة .... وعلى الرغم من ذلك تقول لي تحدّث بسطرين اثنين فقط؟ .... وكيف لي ذلك؟

هو في السابق تلميذي في السنة الثالثة والرابعة في "دمشق"، نشيط جداً، له إلمام ممتاز بالمكتبة العربية مخطوطها ومطبوعها، صاحب ذاكرة عجيبة ومذهلة في بعض الأحيان، يحفظ الأسماء والأرقام؛ صدر في سنة كذا، وقلما يتعدّل التاريخ عندما يراجعه في البيت من كتب ليس له صلة بها، أمين جداً على الحقيقة ومؤتمن لا يزيد ولا ينتقص ويعطي الإنسان حقه إذا ترجم لإنسانٍ أو عرّف به، ويزين كلماته زيناً، لا ينتقص من هذا المعرّف به.

زار جامعاتٍ عربية عديدة، وليست له اهتمامات بالمناصب يتركها للآخرين، مشغول بمكتبته التي تحتوي الأسرار، فلا يُذكر كتاب أمامه إلا سعى لاقتنائه، وإذا عُرّف الدكتور "صلاح" من خلال نتاجه العلمي يُظلم لأنه أكثر من هذا، فلم يُتح له الأمر في تنقله من جامعة لجامعة أن يكتب على المكتب، وهو تلميذي و؟أنا أفيدُ منه كثيراً، وأستعين بذاكرته على قضاء بعض الأشياء وتذكّرها منذ عشرات السنين

رجل عالم عنده ذاكرة عجيبة تكاد لا تنسى، عنده خبرة عجيبة في مجال الكتب وطبعاتها ومكان تواجدها وميزات كل طبعة وأهمية كل كتاب سواء كان في المشرق العربي أو المغرب العربي، وهذا الأمر يؤهله إلى أن يؤلف كتاب على شاكلة فهرس المطبوعات أو "الببليوغرافيا"، وله قدرة هائلة في تذكّر كل عالم مع مراجعه وكتبه، وكل موضوع أين تجد مصادره ومراجعه، وهو يجيد اللغة الألمانية جيّداً وعنده قدرة على اكتشاف الأخطاء التي يقع فيها الإنسان العالم من حيث لا يشعر، ولديه بداهة وسرعة بديهة فيستعين به أصدقاؤه في أبحاثهم، فهو مكتبة المكتبات، أما قلة كتابته فقد عجزت معه حتى قبل معي تحقيق جزء من "تاريخ ابن عساكر" بالاشتراك مع الدكتور "فخر الدين قباوة"، فالتأليف مردّه إلى أن الله خلق لكل إنسان طبيعة، فالسكين تقطع ولكنها لا تشحذ، وهي فطرة، وهذا النوع يثري الكون، ولا يمكن أن يكون كل الناس مشاحذ وسكاكين، كل ميسَّر لما خلق له، وهو رجل ودود صديق صافٍ وأخلاقه نبيلة، وهي صفات شخصية قلّما تتجمّع في إنسان وأنا أحبّه

د صلاح كزارة علم لا ينقطع وذاكرة من حديد

لكل مجتهد نصيب من الشهرة، فكيف إذا كان هذا المجتهد مبدعاً في مجاله، ومربياً فاضلاً للأجيال، وحافظاً لتراث أمته بذاكرته التي لا تنضب، حتى انطبق عليه المثل العربي القائل: "العلم في الصدور لا في السطور"، هذا هو حال الأستاذ الدكتور "صلاح كزارة"، علامة "حلب" في التحقيق بعد شيخ المحققين الدكتور "فخر الدين قباوة"..

صلاح كزارة

د. "صلاح كزارة" علم لا ينقطع وذاكرة من حديد..