تعدّ "القلعة الحمراء" من المواقع الأثرية ذات الإرث الحضاري الثقافي الكبير، وموقعاً سياحياً متميزاً ومقصداً مهماً غنياً بالمكتشفات الأثرية لعدد كبير من المواطنين والمهتمين بالتاريخ، والمجموعات السياحية الزائرة لواحد من الصروح الأثرية السورية الخالدة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 28 تشرين الثاني 2018، "بسام وطفة" رئيس شعبة التنقيب في دائرة آثار "طرطوس"، الحاصل على دبلوم بعلم التاريخ وآثار المشرق القديم من "جامعة دمشق"، ليتحدث عن المراحل التاريخية الموثقة عن القلعة بالقول: «يعود تاريخ القلعة إلى القرن 12م، تعرف بالإفرنجية بـ"القصر الأحمر" ذات الحجارة الرملية الحمراء، وسميت قديماً "يغمور" نسبة إلى أميرها الفينيقي. تتألف من برج محصن متين، يحيط به سور مستطيل الشكل، وتدل أعمال الحفر على أنها كانت مأهولة في الأزمنة الغابرة. تبعد 12كم عن "طرطوس" باتجاه جنوب شرق المدينة، ولا بد أن هناك حقائق وخبايا مازالت في باطن الأرض، والكثيرون من الناس يستمتعون بمشاهدة هذه المقتنيات النادرة في المتاحف الوطنية، ففي عام 1976 اكتشف الباحث الفرنسي "جان سابان" موقع "رامة بصة" قرب قرية "يحمور"، يعتقد أنه تابع للقلعة، وفيه الكثير من القطع الأثرية الصوّانية المشذبة».

سور القلعة مبني من مداميك حجرية كبيرة من الحجر الرملي الأحمر. أما بالنسبة للأروقة والبرج، فهي مبنية من الحجارة المتوسطة، ولم يبقَ من القلعة سوى البرج بارتفاع 15م، وسور جميل بطول 34م

ويضيف قائلاً: «درست البعثة السورية – الفرنسية المشتركة عام 1989 منطقة "طرطوس"، وبوجه خاص "رامة بصة" أو "أرض حمد"، فوجدت نوى وشظايا وفؤوساً صوّانية ذات وجهين؛ تعود إلى أكثر من 30 ألف عام؛ وهو ما يدل على أن الإنسان كان يشغل المكان زمناً طويلاً خلال العصر الآشوري، ومن المكتشفات الحديثة أيضاً ومن باب المصادفة عام 2001 وجد تابوت من الرصاص لفتاة جنوب شرقي القلعة عليه زخارف نباتية وهندسية، ويعود إلى الحقبة الرومانية، وقد حفظت جميع المقتنيات في المتحف الوطني بـ"طرطوس".

العمود المثمن

وقد تم في العام الماضي اكتشاف نقش كتابي مكتوب باللغة اليونانية يعود إلى العصر الروماني، ومازال النقش في الجدار الشمالي للقلعة إلى الآن».

تقول الأسطورة عن القلعة أنه يوجد نفق طويل يصل بينها وبين آثار "عمريت"، وقيل أيضاً إن النسيج المعماري المشابه يدل على أنها كانت بمنزلة محطة مراقبة ونقطة ارتباط لمجموعة القلاع والحصون الموجودة على الشريط الساحلي، ويميل الظن إلى إقامتها فوق أبنية أقدم، الأمر الذي يؤكده العثور على مقبرة رومانية في جدارها، ووجود 777 بئراً لتجميع مياه الأمطار أيام الفينيقيين موجودة أمام المدخل الرئيس وفي الجهة الشمالية.

القلعة من الداخل

وفيما يخص الناحية العمرانية للقلعة، تحدثت المهندسة المعمارية "إباء الشيخ" المختصة بدراسة وترميم المباني التاريخية، وتقول: «كانت تعتمد العمارة الصليبية هنا مبدأ العقود المتصالبة، التي تنتهي في عقدة السقف؛ أي العقود نصف الإسطوانية، ونرى القلعة مكونة من سور خارجي بمدخل رئيس واحد من الجهة الجنوبية، ومدخل جانبي من الجهة الشمالية، وتلتف حول السور من الداخل أروقة مسقوفة تحوي العديد من مرامي السهام، يتوسطها برج مربع الشكل من طابقين؛ كل طابق عبارة عن صالة مربعة حاملة للسقف. أما الطابق الثاني، فيتم الدخول إليه من خلال درج خارجي يؤدي إلى سقف الرواق الشرقي، ومنه درج داخل دهليز يؤدي إلى الصالة في الطابق الثاني، التي تتوسطها عضادة مثمنة الشكل تستند عليها عقود السقف. كما يحوي البرج العديد من مرامي السهام والفتحات المخصصة لأعمال الحراسة، وفي الزاوية الشمالية الغربية برج مراقبة يحوي مرامي سهام يمتد منه سور مؤلف من عدة فتحات قوسية متصلاً مع السور الأمامي للقلعة، بذات الارتفاع».

وتضيف: «سور القلعة مبني من مداميك حجرية كبيرة من الحجر الرملي الأحمر. أما بالنسبة للأروقة والبرج، فهي مبنية من الحجارة المتوسطة، ولم يبقَ من القلعة سوى البرج بارتفاع 15م، وسور جميل بطول 34م».

الباحث بسام وطفة

لا تتوفر معلومات دقيقة إلى الآن عن تاريخ بناء القلعة، وتمزج الأسطورة مع الوقائع حتى استولى عليها فرنجة "أنطاكية"، وامتلكها بعد ذلك "كونتات طرابلس" عام 1112م، ثم أهداها "ريموند الثالث" أمير "طرابلس" للاسبتارية؛ وهي إحدى الفرق الصليبية عام 1178، وفي العصر الصليبي بني هيكل مربع الشكل فيها، وبعدها حرّرها "صلاح الدين الأيوبي"، ثم حرّرها نهائياً "قلاوون" الملوكي عام 1279. أما في الفترة الإسلامية، فقد بنى العرب برجين في زوايا الجدار الخارجي، وهي من القلاع التي سجّلت أثرياً بالقرار 8 آ بتاريخ 14 شباط 1958.