يعد "كاف الحمام" المكتشف حديثاً، من روائع نماذج فن العمارة الإسلامية الموظفة لخدمة الحياة اليومية، فالمكان العام وآلية توظيف مكنوناته، أبرز مدهشات هذا الموقع الأثري...

ضمن الحدود الإدارية لقرية "كاف الحمام" التابعة إلى ناحية "برمانة المشايخ" في منطقة "الشيخ بدر"، وعلى ارتفاع نحو 580 متراً عن سطح البحر، برزت معالم العمارة الإسلامية القديمة العائدة إلى فترة الدعوة، في موقع "كاف الحمام" الذي تحدث عنه المهندس "مروان حسن" مدير "دائرة آثار طرطوس" بتاريخ 24 شباط 2014، حيث قال: «نتيجة أعمال المسح الأثري التي قامت بها "دائرة أثار طرطوس" في منطقة "الشيخ بدر" لعام 2013 في قرية "كاف الحمام"، تبين وجود فجوة أرضية بالقرب من نبع "نور الدين" الأثري، ما تطلب القيام بإجراء أسبار لمعرفة ماهية المكان، علماً بأن هناك دلائل أثرية كثيرة ظاهرة وواضحة في الموقع، فبدأت أعمال التنقيب والكشف الأثري الطارئة بتاريخ 12 آب 2013 ضمن ثلاث نقاط: الأولى تتركز في الحمام بجانب النبع، والثانية في المسجد العائد إلى فترة الدعوة الإسلامية، أما الثالثة ففي المربع (أ) في المنطقة السكنية، التي تعود إلى الفترة الرومانية في الجهة الشرقية من الجامع».

الكاف تعني الكهف في السريانية، أي بمعنى الصخر، والحمام في السريانية يعني الساخن، أو مكان الاستحمام وما يغتسل فيه طير الحمام، وهنا يكون المعنى بتركيب الكلمتين الكهف الحار أو الساخن أو الكهف الذي يعيش فيه الحمام

ويتابع عن "كاف الحمام" وسبب تسميته بهذا الاسم: «الكاف تعني الكهف في السريانية، أي بمعنى الصخر، والحمام في السريانية يعني الساخن، أو مكان الاستحمام وما يغتسل فيه طير الحمام، وهنا يكون المعنى بتركيب الكلمتين الكهف الحار أو الساخن أو الكهف الذي يعيش فيه الحمام».

المهندس مروان حسن

أما عن مراحل التنقيب والسبر الأثري، فيقول: «في البداية تمت إزالة الأعشاب وتنظيف المكان من الأنقاض، ومن ثم تحديد سبر أثري بأبعاد 3 × 2 في نقطة الفجوة الأرضية الظاهرة، وذلك على مسافة أربعة أمتار شرقي حوض نبع ماء "نور الدين"، وخلال العمل على الطبقة الأولى وهي بعمق نحو سبعين سنتيمتراً من الردميات، لم يتم العثور على أية لقى أو كسر فخارية، أو حتى حجارة بناء مشذبة، وهذا تطلب منا متابعة التنقيب ضمن طبقة ثانية، حيث عثر فيها على حجارة منهارة لا تشكل أي بناء، وإنما هي مشذبة قاسية كلسية متوسطة إلى كبيرة الحجم، وقد عثر فيها على مجموعة من الكسر الفخارية تعود إلى آنية صغيرة الحجم من العصر الإسلامي، إضافة إلى بعض العروات غير الواضحة التي تحتاج إلى دراسة».

ويختم: «بالعموم تم الكشف عن مدخل الحمام من جهة النبع، والممر المؤدي إلى الباب الرئيس، حيث الأقسام الرئيسية، وأرضيات حجرية مبلطة مصقولة، وتمديدات لأنابيب فخارية في الجدران وتحت الأرضية، وللتوضيح أكثر يمكن القول: إن الحمام مماثل بفن عمارته ومواد بنائه للحمام الموجود في "قلعة الكهف"، ولا بد من استكمال الأعمال التنقيبية والأثرية ليتم الكشف عن كامل مساحته».

من داخل الحمام

وفي لقاء مع الآثاري "بسام وطفة" ورئيس شعبة التنقيب يقول: «مع استمرار العمل في الطبقة الثانية أمام المدخل الجنوبي للحمام، وبعد إزالة الردميات والأنقاض من داخل الممر، تبين وجود طبقة كلسية بثخانة نحو عشرة سنتيمترات من الجهة الغربية للممر، وبعد إزالتها تبين لنا القسم الأكبر من البوابة الغربية، وهي بعرض نحو 70 سنتيمتراً، وارتفاع نحو 145 سنتيمتراً، مؤلفة من ثلاثة مداميك حجرية منحوتة كلسية، تعلوها قنطرة معرضة للتخريب منذ القديم، وهي بعرض نحو 60 سنتيمتراً، وبمحاذاة القنطرة من الداخل هناك فتحتان لتثبيت الباب، وهذا الباب مغطى بالردميات الحجرية الكبيرة المنهارة من الخارج والداخل، والقنطرة من الخارج مشغولة بعناية، ويعتقد أنها تؤدي إلى فتحة واسعة محاطة بجدران وتشكل أحد أقسام الحمام الرئيسية، وأمام الباب الغربي من الخارج توجد أرضية مبلطة بشكل بلاطة واحدة، تم الكشف عن قسم منها، ويعتقد أنها تمتد باتجاه الغرب، وبالدخول من جهة الغرب بفتحة تتجاوز المتر، وبعد إزالة الردميات الحجرية الكبيرة، تبين لنا وجود جدار خارج البوابة الغربية بارتفاع نحو مترين، ويمتد غرباً تحت الردميات، ولم نستطع الكشف عنه كاملاً، بسبب انتهاء الرصيد المادي، ويعتقد بأن الجدار مكمّل للبناء ويؤدي إلى النبع، حيث كان يتم الدخول من هذا الممر إلى الحمام، وهو مغطى بطبقة كلسية متينة، وعلى عتبة الباب تم العثور على بعض القطع الفخارية الأسطوانية، التي تعود إلى قنوات فخارية تستخدم في جر المياه».

أما الآنسة "لميس أسعد" إحدى المشاركات بأعمال التنقيب، فتقول: «بمتابعة العمل أمام الباب الرئيس تم إظهار كامل أجزاء الباب الرئيس، وهي من الحجارة الكلسية المطلية من الخارج والداخل، حيث إن سماكة الباب مع الجدار بلغت نحو ثلاثة وسبعين سنتيمتراً، بارتفاع نحو 145 سنتيمتراً، وأرضية الحمام من الداخل مبلطة بحجارة كلسية، يعلوها بارتفاع نحو خمسة وعشرين سنتيمتراً في الجدار الشمالي للحمام فتحة مربعة الشكل طول ضلعها نحو خمسة عشر سنتيمتراً، مهمتها تمرير المياه، ويعتقد بوجود مجرى مقابل للفتحة يؤدي إلى الخارج، وهو تحت الأرضية الحجرية. من الجهة الشرقية للحمام توجد قنطرة مخربة، كانت تشكل الجدار الشرقي له، ويغطي الحمام من الداخل طبقة كلسية متينة، والحمام من الأعلى بشكل عقد يحوي في الأعلى ثلاث فتحات دائرية الشكل، بقطر نحو ثلاثة عشر سنتيمتراً، ويعتقد أنها للتهوية والإنارة».

الأستاذ بسام وطفة

وتضيف: «وبمتابعة الأعمال التنقيبية تم كشف الأرضية، وهي عبارة عن تباليط حجرية كلسية، وعند الدخول إلى الباب من الجهة اليمنى توجد قناة فخارية داخل الجدار، بارتفاع نحو 140 سنتيمتراً، مؤلفة من عدة قطع فخارية أسطوانية مركبة بشكل عمودي مجرى مائي، وعند التقاء القناة العمودية بالأرضية توجد قناة مائية مصنوعة من قطع فخارية أسطوانية قسم منها مخرب، مستمرة باتجاه الجنوب بطول غير محدد، ولكنه يزيد على عشرة أمتار، ويتفرع عنها إلى الداخل تحت الأرضية، قناة أخرى كمجرى مائي، وإلى يسار الباب من الجهة الشرقية، يوجد جدار مبني ومغطى بطبقة كلسية، مستمر باتجاه الجنوب، حيث لم يتم الانتهاء من امتداده».