ليس من السهل العثور على سمات أثرية بين عشرات الأبنية الحديثة المنتشرة في "حي القوز" حتى لو انتظرنا مرور عدة قرون من الزمن، لكنّ الأسوار الجنوبية الشديدة الانحدار والشمالية المحيطة بها قد بنيت قبل أكثر من خمسة وثلاثين قرناً ومنحت "قلعة القوز" شهرتها المعروفة التي وصلت إلى أرض الفراعنة آنذاك.

وبحسب "دائرة آثار طرطوس" فإنّ "قلعة القوز" هي عبارة عن تلة مساحتها 60000 مترٍ مربعٍ، تنحدر من الشرق إلى الغرب ومن الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي، ويشكل حدها الأدنى سور بثلاثة أبراج ومدخلان، حيث يمتد من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي بطول يقارب 400 متر، أما حدود القلعة الشرقية والجنوبية فهي شديدة الانحدار على وادي "نهر بانياس".

هذه الوثيقة تنير لنا الطريق وتبين لنا أنّ حضارة المنطقة التي نعيش فيها هي بجذورها القديمة ما زالت غريبة عنا نحن ورثة هذه الحضارة

بسبب الانتشار العمراني على رقعة القلعة التي تشكل حالياً "حي القوز" يصعب القيام بعمليات التنقيب والكشف عن أهم المواقع الأثرية فيها، وكما أوضح رئيس الدائرة الأثرية المهندس "مروان حسن" فقد تم اتخاذ الإجراءات اللازمة للتدخل المباشر بأي أعمال بناء يتم تنفيذها في الموقع:

المهندس "مروان حسن"

«قامت "دائرة آثار طرطوس" منذ حوالي ثلاث سنوات بتعيين الموقع من خلال مخاطبة مجلس مدينة "بانياس"، لمنع منح أيّ تراخيص بناء ضمن حدود القلعة والمناطق المجاورة لها إلا بموافقة السلطات الأثرية وصدور قرار التسجيل اللازم.

ويتم حالياً العمل من قبل الدائرة على إعداد إضبارة التسجيل مع مراعاة الواقع الحالي للقلعة ومحيطها، تمهيداً لعرضها على "المديرية العامة والمجلس الأعلى للآثار"».

المختار "بسام الحايك"

عمليات التنقيب في رقعة القلعة ليست بالسهولة التي كانت عليها قبل عدة عقود، فكما يبين مختار "حي القوز" "بسام الحايك": «تتألف قلعة "القوز" من ثلاثة عقارات رئيسية وبضع عقارات صغيرة تليها قرية "بعمرائيل"، وكل من هذه العقارات الرئيسية مكون من مئات الدونمات، وعدد أصحاب الأسهم في كل عقار حوالي مئة شخص، أما عدد السكان في "حي القوز" فيقارب 1500 نسمة».

يقول الباحث "محمد يحيى الأعسر" عن القلعة في بحث أعده سنة 1991 عن آثار مدينة "بانياس" ومحيطها: «إنّ حدود القلعة الشرقية والغربية شديدة الانحدار على وادي "نهر بانياس"، ساعد على تحصينها عملٌ دائب طويل، كما أنّ القلعة بسورها وأبراجها وبحدودها الشرقية والجنوبية المطلة على الوادي تعتبر من أكمل التحصينات الباقية من القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وقد بنيت الأسوار بأحجار ضخمة تزن الواحدة عدة أطنان وبنموذج سمي خطأ أسلوب البناء الكريتي المربع وهو نظام كنعاني قديم.

السور الجنوبي للقلعة

إنّ أهم ما يميز دفاعات القلعة هو النظام الدفاعي الذي عرف قديماً بالدائر الدفاعي المزدوج القائم على تحصينات مزدوجة الأسوار وقد أشار المؤرخون لأقدم أمثلته في بناء سور مدينة "القسطنطينية" في القرن الخامس الميلادي وبناء "بغداد" في القرن الثامن الميلادي، إننا هنا نقف مذهولين أمام أثرٍ دفاعيّ رائد طبق فيه ذلك النظام منذ ما يزيد على خمسة عشر قرناً قبل الميلاد».

كما يضيف الباحث "الأعسر" عن الرقيم الفخاري الذي عثر عليه في "الأوز" قائلاً: «ترجم هذا الرقيم من قبل الباحثة الفرنسية "سيلفي لاكنباشر" ونشر في مجلة المركز الوطني للبحوث العلمية الفرنسية بتكليف من البروفسور "بيرو" مدير متحف "باريس" وصديق سورية القديمة المخلص، حيث شغلت الترجمة سبع صفحات من المجلة».

وفي بحثه أيضاً يبين وجهة نظر المحامي "عبد الهادي عباس" الذي قال عن الرقيم الفخاري: «إنّ هذه الوثيقة ذات صلة بتعاقد حقوقي من أقدم ما عرفه التاريخ وتوحي أسماء الشهود وصيغة العقد بتفاعل العلاقات في منطقة حوض المتوسط، كما تشير إلى أنّ العبارات المتداولة شعبياً من إشهاد الآلهة على العقود والتي ما زالت سائدة رغم القوانين الوضعية وما تتضمنه من التزامات مدنية وهي عبارات موغلة في قدمها في ثقافة سكان هذه المنطقة، كذلك فإنّ توثيق العقود بالكتابة والإشهاد عليها أيضاً هو دليل قدم أصول هذه المبادئ التي ما زالت قائمة في أمور الأحوال الشخصية».

وبرأي الباحث فإنّ «هذه الوثيقة تنير لنا الطريق وتبين لنا أنّ حضارة المنطقة التي نعيش فيها هي بجذورها القديمة ما زالت غريبة عنا نحن ورثة هذه الحضارة».

ويشير "الأعسر" أيضاً إلى أنّ اسم "أوزا" قد ورد في وثائق عديدة منها المنقوشات الهيروغليفية على "الكرنك" وفي وثائق القصر الملكي للفرعون "تحوتمس الثالث" الذي عاش خلال فترة 1490- 1436 قبل الميلاد، وفي وثائق تل العمارنة في رسالة ملك "بيروت عمونير" 1377 قبل الميلاد إلى "أخناتون" فرعون مصر، حيث وردت باسم "أزا أو ألازا إشارة إلى أوزا أو قلعة القوز" الحالية.

ويبين أنّ اسم "أوزو" قد ذكر في النصوص الأدبية التي تركها المصريون على أوراق البردي والتي تعتبر وثائق تاريخية، ومنها رسالة كاتب القصر "أمين رام أوبت" إلى موظف رسمي تحت التدريب يتهيأ للسفر إلى خارج أراضي المملكة ينقل له فيها معلومات جغرافية عن مواطن عمله المقبل.