الموقع الجغرافي لنبع "الضيعة" وسط التجمع السكاني أضفى عليه قيمة جمالية وأهمية اجتماعية لازمت أهالي قرية "المرانة" منذ استيطانهم المكاني بالمنطقة الذي قارب الألف عام، فهو منهلهم المائي الأساسي الذي حيكت حوله القصص وحفظ ذكرياتهم.

في موقع جغرافي منبسط بجانب أكبر شجرة سنديان، كانت تجتمع نساء القرية لملء جرارهنّ الفخارية بالمياه العذبة والعودة بها إلى منازلهنّ لزوم الشرب والأعمال المنزلية الأخرى؛ وفق ما قالت المعمّرة "حسنة هنيدي" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 10 أيلول 2018، حيث أكدت أن للنبع ذاكرة حفظت قصصهم الكثيرة، وأهمها لقاء شابات القرية في وقت كان العمل الشاغل الأساسي لحياتهن اليومية نتيجة اعتمادهن على العمل الزراعي، وتابعت: «في كل صباح نقصد نبع "الضيعة" لملء جرارنا الفخارية، وكنا في المنزل نتقاسم دور تعبئة المياه فيما بيننا، حيث كان لكل أخت منا نحن الثلاث يوم محدد تزور فيه النبع، فنلتقي رفيقاتنا ونتسامر لساعات، ونتحدث في أمورنا الخاصة.

كثيرة هي الزراعات التي كانت قائمة على وفرة مياه نبع الضيعة، ومنها زراعة التفاح والخضار والجوز، التي تحتاج إلى رطوبة عالية أمنتها المياه الجارية من النبع عبر السواقي

وهذه الذكريات محفورة على جدران النبع، وأسترجعها بمجرد المرور بجانبه في الوقت الحالي، وأتمنى لو أن الزمن يعود بي لأبقى أتحدث عنها حتى ينتهي الحديث، فهي شيء جميل في حياتي، عرفت من خلاله صديقات مخلصات استمرت صداقتنا لسنوات طويلة.

محمود المروح

وكنا ننظم دور تعبئة المياه من النبع تلقائياً، ولا أحد يتخطى دوره، وهذا كان لمصلحتنا؛ لأنه يتيح لنا أكبر زمن للبقاء مع الأصدقاء والحديث في مختلف الأمور الحياتية، وهذا استمر معنا حتى بعد الزواج، لقيمته الاجتماعية في حياتنا اليومية».

"آصف عاقل" لم يكن بعيداً عن تلك الأجواء بحسب حديثه، لأن شباب القرية يقصدون النبع أيضاً للترفيه، وهنا قال: «كنا نجتمع بجانب النبع تحت شجرة السنديان الضخمة التي لا أذكرها إلا بهذه الهيئة النضرة والجميلة، فالمياه بجانبها دوماً وتتغذى منها باستمرار، وكنا نقضي جل أوقاتنا بجانبها، نشرب "المتة" ونتناول الطعام، وفي الأغلب كنا نوقد النار لشواء الطيور التي نصطادها، ونتحدث في أمور مختلفة، منها الزراعية، ومنها اليومية، وكانت تلك الأجواء ممتعة، بدليل ذكرياتها المحفورة في مخيلتنا».

ياسين عاقل

مختار القرية "ياسين عاقل" يؤكد أن في القرية ما يزيد على ثمانية ينابيع، لكن هذا النبع كان مقصد الجميع لطبيعة مياهه النقية الخفيفة، ويتابع: «في السابق كان مخرج مياه النبع في أعلى الموقع الحالي الذي يصل إلى مئة متر، وكان يخرج طبيعياً من تجويف صخري عبر قنوات فخارية ممتدة في مختلف الاتجاهات ولمختلف الحارات، ومنها ما يستخدم لري المزروعات وخاصة منها المنزلية التي نسميها "البلدية" النظيفة.

لكن في وقت من الأوقات قرر أهالي القرية زيادة حماية النبع نتيجة تزايد عدد السكان، فبني على فتحته الأساسية خزان كبير وسحبت المياه منه عبر قناة وصولاً إلى الموقع الحالي، لذلك بقي محافظاً على نظافته وقيمته الاجتماعية بين الأهالي، وعليه بنيت بجواره صالة اجتماعية تستخدم بحسب الحاجة للأفراح والأتراح».

نبع الضيعة في قرية المرانة

ويضيف: «مياه النبع باردة صيفاً ودافئة شتاء، وهي غزيرة وعذبة ومستمرة على مدار العام، بخلاف بقية ينابيع القرية التي تنضب أواخر الصيف، وأسس للاكتفاء الذاتي من ناحية المياه بالنسبة للأهالي. أما بالنسبة للموقع، فهو يقع في منتصف القرية على الطريق العام العابر لها باتجاه الريف البعيد، ومنه وصولاً إلى محافظة "حماة"».

أما المدرّس المتقاعد "محمود المروح"، فقد قال: «كثيرة هي الزراعات التي كانت قائمة على وفرة مياه نبع الضيعة، ومنها زراعة التفاح والخضار والجوز، التي تحتاج إلى رطوبة عالية أمنتها المياه الجارية من النبع عبر السواقي».