في منطقة جبلية وعرة، تم العثور مؤخراً على هوّة طبيعية متميزة بالتشكيلات الصخرية التي حافظت على سلامتها الطبيعية البكر بعيداً عن عبث الإنسان.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 25 تشرين الأول 2017، قرية "العلية"، والتقت "إحسان إبراهيم" أحد أهالي القرية، الذي تحدث عن كيفية كشف الهوة الطبيعية التي صادف أن وجدت في أرضه، حيث قال: «قبل سبع سنوات، بدأ المشروع الأخضر عمله في أراضي القرية بهدف استصلاح الأراضي الجبلية، وتحويلها إلى مدرجات، وإزالة الكتل الصخرية الضخمة التي تعيق عملية الزراعة، وأثناء العمل بإحدى الأراضي التي أملكها، قامت إحدى الآليات بإزاحة كتلة صخرية ضخمة لتنكشف تحتها فتحة تبيّن فيما بعد أن لها امتدادات تحت سطح الأرض، ولا تزال هذه الهوة مجهولة حتى للكثيرين من أهالي القرية».

تكثر في السفوح الغربية لجبال "القدموس" مظاهر تعرف بالكاريست، وفي قرية "العلية" تم اكتشاف هوة منذ عدة سنوات كانت تتوضع فوقها طبقة صخرية مشققة تعود في تشكلها إلى مليون عام، وقد تشكّلت ببطء شديد جداً، وبعيد عن أي تخريب من قبل الإنسان القديم الذي سكن كهوفاً مشابهة في نفس المنطقة، لتكون فرصة نادرة للمهتمين بدراسة هذا النوع من التضاريس لعدم تعرضها للتخريب

تحدث أحد الأهالي عن وجود هوة مكتشفة حديثاً، وما زالت مجهولة للكثيرين حتى من الأهالي أنفسهم، وهنا دفعنا الفضول وحب الاكتشاف لزيارة المنطقة، وبهذا تكون مدونة وطن "eSyria" أول من كشف بعض المعلومات المتعلقة بها من حيث الموقع ووصف الطريق، والشكل العام للهوة، وتقديم دراسة جغرافية شاملة عن تشكلها وأهميتها، وعنها قال "سهيل عروس" من أبناء القرية: «تقع الهوة في الجهة الشمالية الشرقية من قرية "العلية" التابعة لريف "القدموس"، وفي أعلى هضبة منبسطة السطح تحيط بها الأحراج الطبيعية، وبعد محاولتنا النزول إليها، تبيّن أنها تأخذ شكل غرفة أبعادها تقارب 3×3 متر، ويبدو أن لها امتدادات داخل الأراضي المجاورة، لكن اكتشافها يحتاج إلى مختصين مجهزين بمعدات السلامة والأمان. أما الطريق إليها، فهو زراعي وعر يتدرج صعوداً إلى أعلى القرية، ولا يمكن الوصول إليها إلا سيراً على الأقدام، ويقصدها الشبان من هواة الصيد والمسير الجبلي والتقاط الصور التذكارية، خاصة عند المدخل المتميز الشكل، الذي يحتوي أشكالاً صخرية رائعة المنظر والصواعد والنوازل والأعمدة، وأيضاً من زوارها محبو جمع الأعشاب الطبيعية».

سهيل عروس

أما عن عوامل تشكّلها، فقال المهتم بالبحوث الجغرافية "سامي حسن": «تكثر في السفوح الغربية لجبال "القدموس" مظاهر تعرف بالكاريست، وفي قرية "العلية" تم اكتشاف هوة منذ عدة سنوات كانت تتوضع فوقها طبقة صخرية مشققة تعود في تشكلها إلى مليون عام، وقد تشكّلت ببطء شديد جداً، وبعيد عن أي تخريب من قبل الإنسان القديم الذي سكن كهوفاً مشابهة في نفس المنطقة، لتكون فرصة نادرة للمهتمين بدراسة هذا النوع من التضاريس لعدم تعرضها للتخريب».

ويتابع: «تعود صخور هذه المنطقة إلى الحقب الثالث الجيولوجي، وهي من الحجر الكلسي والحجر الرملي والفوسفوريت والصوان، التي تنتشر في الجبال الساحلية السورية بكثرة، ولهذه الصخور أهمية من حيث انتشارها على مساحات واسعة، وتركيبها الذي يجعل منها إسفنجة تمتص المياه المتساقطة على سطوحها وتخزينها في أسفلها، وهذه الصخور تصل ثخانتها في بعض المناطق إلى تسعمئة متر، وهذا يتيح المجال لمثل هذه المظاهر بالتشكل والامتداد على مسافات كبيرة. أيضاً مناخ المنطقة يلعب دوراً مهماً في تشكل هذه المظاهر، فهي واقعة ضمن منطقة المناخ المتوسطي الجبلي الذي يتميز بشتاء بارد ماطر قد تتجاوز أمطاره أحياناً الألف ميليمتر في السنة مع تساقط الثلوج، وصيف معتدل جاف؛ وهو ما كوّن ظروفاً مناسبة لمياه الأمطار المتسربة عبر الشقوق وللثلوج أيضاً، لتشكيل الهوة والأشكال المتميزة التي تحتويها.

تشكيلات صخرية داخل الهوة

ومن العوامل المهمة أيضاً التضاريس؛ فقرية "العلية" تقع على السفح الغربي لجبال "القدموس"، ومن ميزات هذه السفوح أنها تواجه الرياح القادمة من البحر الذي لا يبعد عنها إلا عدة كيلومترات؛ وهذا ما أكسبها غزارة مميزة في الأمطار التي كانت إلى جانب طبيعة الصخور العامل الأبرز في تشكيل الهوة».

وعن آلية تشكّلها، يكمل: «تكثر في صخور المنطقة شقوق وخدوش، بعضها مغطى بالأتربة، وبعضها الآخر ظاهر؛ وهذا ما ساهم في حت الصخر بسبب الرطوبة والأحماض الموجودة في التربة من جهة، وسيلان مياه الأمطار على الأجزاء المكشوفة من جهة أخرى؛ وهو ما أدى إلى تآكل بطيء لهذه الشقوق التي ازداد عمقها مع الزمن، واجتمع بعضها ليشكل الهوة التي تأخذ شكل قمع فتحته الواسعة تحت الأسفل، وعلى السطح لا تتجاوز 1×1 متر، ولها تشعبات باطنية كثيرة، وتكثر فيها تشكيلات الصواعد والنوازل التي شكلتها المياه المتسربة عبر الشقوق الموجودة في سقفها لترسب محتواها ببطء شديد قطرة قطرة، لتنتج عنها أشكال تشبه قطع الكريستال المتدلية من الثريات أو على شكل زهرة القرنبيط، وتعدّ هذه الهوّة كنزاً ثميناً لمحبي الدراسات الجيولوجية، وبالاهتمام من قبل الجهات المعنية، يمكن أن تتحول إلى كنز سياحي بيئي مهمّ».

الصواعد والنوازل