تميّز نبع "عين الرجال" بخصوصية الاستخدام تبعاً لخصوصية الطبيعة الجغرافية التي حددت طبيعة المستخدم، وهذا ينطبق تماماً على النبع المجاور له، وهو نبع "عين النسوان"، حيث كانت الطبيعة توظف الاستخدام.

مدونة وطن "eSyria" زارت نبعي "عين الرجال" و"عين النسوان" في قرية "البساتين"، بتاريخ 27 أيلول 2017، اللذين شاع صيتهما وارتباطهما بحياة أهالي القرية لدرجة الخصوصية الاجتماعية، وهنا قال المختار "عمر حلوم": «ارتبط نبع "عين الرجال" بحياة أبناء القرية إلى درجة كبيرة صار فيها جزءاً منها، فهو بموقعه الجغرافي فرض خصوصية التعامل معه، حيث يقع في الحي الأعلى من القرية، أو ما يعرف بحي "بيت حلوم" حالياً، وهذه المنطقة لم تكن تشهد هذا الاكتظاظ السكاني الحالي، بل على العكس كانت هادئة ومحمية من أعين المارة، وأغلبهم من مرتادي الحقول الزراعية في السابق، وهذا أيضاً كان سبباً أساسياً في تخصيص استخدام مياهه من قبل الرجال دون النساء، للاستحمام والري؛ فهناك نبع آخر مخصص للنساء فقط، وله خصوصيته، ويسمى نبع "عين النسوان".

محيط النبع متميز كما تجويف المغارة، فهو محمي بجدران صخرية مرتفعة جداً عن محيطها، وكأنها منحوتة يدوياً، ولا أحد يدري إن كانت من التراث الحرفي المهني لأجدادنا الذين وظفوا النبع ونقلوا هذا التوظيف إلينا للاستمرار فيه، أم كان مجمل هذا طبيعياً بفعل الخالق لخصوصية التعامل والبيئة الاجتماعية، خاصة أن النبع المجاور بالموقع خصّص للنساء فقط

النبع يقع ضمن مغارة طبيعية يصل عمقها إلى عدة أمتار، وكأنها وجدت لهذه الوظيفة، على جدرانها يوجد ما يشبه الرفوف الحجرية وكأنها منحوتة يدوياً، استخدمت لوضع الحوائج الشخصية عليها خلال عملية الاستحمام، وتجويف المغارة رحب ويتسع لعدد جيد من الأشخاص ومريح من حيث طريقة الاستخدام خلال زيارته».

نبع عين الرجال صعوبة في التقاط الصور نتيجة التضاريس الصعبة

المعمر "عبد القادر خليل" من أهالي وسكان القرية، قال: «محيط النبع متميز كما تجويف المغارة، فهو محمي بجدران صخرية مرتفعة جداً عن محيطها، وكأنها منحوتة يدوياً، ولا أحد يدري إن كانت من التراث الحرفي المهني لأجدادنا الذين وظفوا النبع ونقلوا هذا التوظيف إلينا للاستمرار فيه، أم كان مجمل هذا طبيعياً بفعل الخالق لخصوصية التعامل والبيئة الاجتماعية، خاصة أن النبع المجاور بالموقع خصّص للنساء فقط».

ويتابع: «الاستيطان البشري في القرية يعود إلى ما قبل عام 1800 بدلالة الكنيسة الأثرية والمنازل القديمة المصنوعة من اللبن وبعض القبور المتراكمة بعضها فوق بعض مع تعاقب الأجيال، وهذا يؤكد أن توظيف النبع كان نتيجة الحاجة والاستقرار مع توافر المياه، فزرع المحيط بمختلف الأشجار المثمرة فغدا بساتيناً وكروماً متنوعة المنتجات، لأن الفائض من المياه يستخدم في عمليات الري، وهذا لا يعني أن القرية لا يتوفر فيها سوى هذا النبع والنبع المجاور "عين النسوان"، بل على العكس، فيها ما يزيد على عشرة ينابيع دائمة الجريان، لكنها لم تحظَ بهذه الخصوصية المجتمعية، وبالعموم جميع هذه التفاصيل التهمتها الطبيعة، ولم يبقَ شيئاً ظاهراً سوى فتحة المغارة».

المختار عمر حلوم

ربة المنزل "صبرية محمود"، قالت عن نبع "عين النسوان" الذي عاصرت سنوات قليلة من استخدامه: «هو نبع ملاصق تماماً بموقعه الجغرافي لنبع "عين الرجال"، وله خصوصيته في الموقع الطبيعي وتوضعه بالنسبة لطريق العبور الدائم، إلا أنه أكثر حماية طبيعية من مختلف الجوانب، ومياهه دائمة الجريان وغزيرة من داخل مغارة صخرية طبيعية أحاطت بها الأشجار لتحجب الرؤية تماماً عن خارج موقع النبع، وكذلك بالنسبة للجرف الصخري المرتفع الذي حجب الرؤية. نساء القرية استخدمن مياه النبع لإتمام جميع أعمال المنزل، كالغسيل، والاستحمام، وتعبئة مياه الشرب، وتنظيف الأواني.

تجويف المغارة التي تخرج منها المياه متسع ورحب، وكان يوضع على مدخلها ما يشبه الستارة القماشية؛ لتكون أكثر محافظة على خصوصية المرأة خلال ممارستها أعمالها الشخصية، وكان لها اسم آخر هو نبع "عين الداووية".

صبرية محمود

ولنا بجواره الكثير من الذكريات، وأغلبها ترافق مع الغناء الشعبي التراثي، وخاصة في المناسبات والأعراس، حيث تجتمع النساء من مختلف الأعمار لتجهيز العروس، ومحاولة انتقاء عروس جديدة من قبل الأمهات للذكور الراغبين بالزواج».