عبر سنوات طويلة كان ولا يزال "جوق النسور" ملجأً طبيعياً للحماية من العوامل المناخية المختلفة. ولأهالي قرية "كاف الجاع" والقرى المجاورة كثير من الذكريات والقصص التي ترتبط بحياتهم، إضافة إلى أنه مكان للاسترخاء، والابتعاد عن ضجيج الحياة المعاصرة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 25 آذار 2017، المهتم بالبحوث الجغرافية في منطقة "القدموس" "سامي علي حسن"، ليتحدث عن صفات "جوق النسور"، وكيفية تشكّله، حيث قال: «هو جرف صخري يمتد نحو خمسمئة متر من الشرق باتجاه الغرب، ويشرف على قرية "كاف الجاع"، ويرتفع عن سطح البحر ما يزيد على ألف وخمسين متراً، ويشكل جداراً صخرياً ينحدر بزاوية تسعين درجة على الأطراف الجنوبية لجبل "زغرين"».

هو جرف صخري يمتد نحو خمسمئة متر من الشرق باتجاه الغرب، ويشرف على قرية "كاف الجاع"، ويرتفع عن سطح البحر ما يزيد على ألف وخمسين متراً، ويشكل جداراً صخرياً ينحدر بزاوية تسعين درجة على الأطراف الجنوبية لجبل "زغرين"

وعن آلية تشكّله، يقول: «تنتمي صخور الجرف إلى فترة الحقب الثالث الجيولوجي، وتتوضع على شكل طبقات، ومنذ نهوضها نتيجة الحركات البنائية الالتوائية وانكشافها فوق سطح البحر، بدأت تتعرض إلى عوامل الحتّ المختلفة. وقد أثّر بها بوجه كبير عمل الرياح والمياه المتجمدة التي تتغلغل في شقوق الصخر، وتعمل على تفتيت الطبقات الصخرية اللينة بسرعة أكبر من القاسية؛ وهو ما نجم عنه تجويف ضمن الجرف يسمى محلياً "الجوق"، ويصل في بعض المناطق إلى عمق أكثر من مترين تاركاً شرفة ترتفع عن الأراضي المجاورة ما بين خمسة إلى سبعة أمتار تتباين من منطقة إلى أخرى.

جانب من الجوق

يطلّ هذا "الجوق" على عدد من القرى، مثل: "كاف الجاع"، و"السلورية"، و"تلة"، و"عين قضيب" في مشهد يجذب محبي الاكتشاف والسياحة الطبيعية».

أما "عيسى خليل حسن"؛ من أهالي القرية، ويقارب عمره التسعين عاماً، تحدث لنا عن سبب التسمية وصفات الطريق وبعض ذكرياته عنه، وقال: «هي تسمية قديمة جداً أطلقها الأهالي على هذا التجويف الممتد على طول الجرف؛ وذلك نسبة إلى وجود أنواع من الطيور الجارحة تبني أعشاشها في الأعلى كالبواشق والنسور الصغيرة التي تسمى هنا "بوصوي"؛ نسبة إلى طبيعة الأصوات الصادرة عنها.

إحدى الإطلالات

وللوصول إلى "الجوق" يبدأ الطريق من الحارة الغربية بالقرب من منازل حجرية قديمة جداً، ويتدرج صعوداً بشكل ضيق شديد الانحدار قام القرويون منذ القدم بنحته في الصخور على شكل مدرّج يعرف باسم "مدرّج الحارة الغربية"؛ لتسهيل وصولهم إلى أراضيهم الموجودة في أعلى الجبل، وفي الماضي كانت قريتنا معقلاً لثورة الشيخ "صالح العلي"؛ وهذا عرّضها لهجمات الفرنسيين المتكررة، وحرقها مرتين، وفي تلك الفترة مثّل "الجوق" مكاناً محصناً للأهالي لحماية أرزاقهم ومواشيهم خوفاً من اعتداء الجنود عليها».

ويكمل: «كما أنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بذاكرتي التي تعود إلى أيام الطفولة والشباب، حيث كان ملجأً لنا ولماشيتنا للوقاية من الأمطار الغزيرة وتقلبات الطقس التي تفرضها طبيعة المنطقة، فيوفر علينا عناء العودة إلى المنازل، وفي بعض المواسم، كحراثة الأرض، أو موسم الحصاد، حيث نلجأ إليه لتناول الطعام والماء وقضاء وقت الاستراحة قبل العودة لمتابعة العمل في الأراضي المجاورة له، وكثيراً ما كان مقصداً لأولادي وغيرهم من شبان وشابات القرية أثناء الدراسة والتحضير للامتحان قاصدين الهدوء، ومبتعدين عن كل ما يمكن أن يشتت تركيزهم لتحقيق نتائج جيدة».

جزء يوضح وعورة الطريق

أما المزارع "سلمان أحمد" أحد سكان القرية المقيمين بالقرب من منطقة "جوق النسور"، فيقول: «من الملاحظ باستمرار لجوء طيور "الحجل" إلى بعض أجزائه بهدف حماية صغارها من أي خطر يهددها، وبحكم قرب منزلي من هذا الموقع أشاهد يومياً مجموعات من الشباب والشابات ممن يحبون الإطلالات الجبلية شديدة الارتفاع والطرقات الوعرة، وقد أحضروا معهم ما يلزم لنزهاتهم من مأكولات ومشروبات شعبية، قاصدين الاستمتاع بالإطلالة على مناطق وقرى عدة، التي تطل أيضاً على جبال "لبنان" المكسوة بالثلوج، ليستمتعوا بهدوء ونقاء المنطقة، والابتعاد عن ضوضاء الحياة العصرية».