يزيد عمره على خمسين سنة، وهو ليس سوقاً متصلاً، إنما يضم ما يقارب خمسة محال موزعة على عدة شوارع، لكن حرفة أصحابها المخضرمين بالمهنة جعلته سوقاً قيماً يقصده الجميع.

مدونة وطن "eSyria" زارت "سوق السنكرية" في منطقة "البرانية" بتاريخ 15 شباط 2016، والتقت بعض الحرفيين من أصحاب المحال، وكانت البداية مع "السنكري" "جميل سليم" الذي أمضى ما يقارب أربعة عقود في "المصلحة" كما يسميها، وقال: «عمري الآن 47 عاماً، ففي طفولتي وبعد عودتي من المدرسة كنت أتوجه إلى محل والدي وأراقب ما يقوم به، وأحاول أن ألتقط أساسيات الحرفة التي يعمل بها أبي وجدي منذ سنوات طويلة.

"سوق السنكرية" مقصدي الأول لإصلاح كل ما يتعطل لدي من أباريق وبوارٍ و"أراجيل" وكل ما يتعلق بالتنك والقصدير، وهذا الأمر اعتدته منذ سنوات، حيث أقصد محل "مصطفى سليم" لأنه حرفي ممتاز ويمتلك روحاً جميلة تجذب جميع الزبائن للتعامل معه بكل أريحية

ومهنة "السنكري" تتضمن القيام بتصليح (بوابير الغاز، والفوانيس، والمداخن، والسخانات، والخزانات، وبراميل الغسيل، وكل لوازم النارجيلة من مجمرة وحمالة وشعالة)، ونقوم بعمليات اللحام والصب، حتى إننا كنا نقوم في الماضي بتصنيع النارجيلة يدوياً عبر عملية تسمى "الصب"، حيث كنا نمتلك قوالب معينة ورملاً أسود خاصاً ونصبها بالرمل، لكن اليوم نكتفي بتصليحها من دون التصنيع، وفي السابق كنا نقوم بتبييض النحاس، لكن هذا العمل الذي أصبح نادراً اليوم بسبب دخول مواد جديدة في الصناعة (كالنحاس الرقيق والكروم) التي ألغت بعض المواد السابقة».

"السنكري" مصطفى عبد الرحيم سليم

وفي حديثه عن التطور الحاصل في حرفة "السنكرية" يشرح: «منذ الثمانينيات تقريباً أصبحت المهنة تتطور، فقد قمت وإخوتي بإنشاء مصنع للتنك في المنطقة الصناعية، نصنع فيه جميع أنواع العبوات، ولا أنكر أن وجود المعامل أثر إلى حد ما ببعض الأعمال التي كنا نختص فيها، فأصبح المعمل اليوم يقدم الخدمة المطلوبة وبوقت أقل اعتماداً على الآلات الحديثة التي كنا في كثير من الأحيان نؤدي بعض مهامها في الماضي، وعلى سبيل المثال كنا نصنع يدوياً الصواني التي تستخدم كقواعد للمدافئ والبواري الخاصة بها أيضاً، لكن المعمل اليوم يقوم بكل ذلك وبكميات أكبر مختصراً الكثير من الوقت، فضلاً عن تأثير دخول البلاستيك إلى الأسواق بدلاً من التنك الذي كان أساس مهنتنا».

"السنكري" "مصطفى عبد الرحيم سليم" تحدث أيضاً عن عمله الذي يحب، فقال: «خمسون عاماً ونحن نعمل في هذه المصلحة التي أخذت الكثير من وقتنا وصحتنا، كنا في البداية نعمل في منطقة "الخراب"، ثم انتقلنا إلى منطقة "البرانية"، وتركز عملنا في مجال (البوابير والنراجيل والأباريق والبراميل) وتتواجد الآلات والماكينات اليوم في المنطقة الصناعية، لذا فإن عملنا في المحال بات يقتصر على البيع والصيانة بعد أن كنا نقوم بتصنيع بعض المواد، وأغلب الأحيان نستخدم القصدير في عمليات اللحام، وعملنا شعبي يخلق علاقة طيبة بينا وبين الزبائن، لكنني أخاف اليوم على هذه الحرفة، فالجيل الجديد يميل إلى الأعمال السهلة التي لا تتطلب جهداً كبيراً، فضلاً على أن التطورات الكبيرة الحاصلة في الصناعة والآلات الحديثة المستخدمة قد تؤثر في المهنة».

محمود السالم أحد الزبائن الدائمين لسوق "السنكرية"

ويضيف "محمد محي الدين" الذي يلجأ إلى "مصطفى سليم" لإصلاح الأدوات التي تعطلت: «اعتدت إصلاح ما يتعطل لدي من مواد تحتاج إلى "السنكرية" هنا لدى الحرفي "مصطفى" الذي يتمتع بروح جميلة ولسان لطيف الكلام، معروف بأخلاقه العالية وبسمته الدائمة التي يستقبل بها الزبائن، فضلاً عن مهنيته وحرفيته التي تشهد لها خبرته وسنوات عمله الطويلة.

هنا في السوق الجميع عائلة واحدة، ويعد أول مكان نلجأ إليه لصيانة أو شراء احتياجاتنا من المواد التي يختص بها، فهو ذو موقع جيد ليس ببعيد عن وسط المدينة، ويتجمع فيه أمهر الحرفيين؛ وهذا ما يجعله مقصداً لكل الزبائن».

من داخل أحد المحال في السوق

"محمود السالم" الزبون القادم من ريف محافظة "طرطوس" يقول: «"سوق السنكرية" مقصدي الأول لإصلاح كل ما يتعطل لدي من أباريق وبوارٍ و"أراجيل" وكل ما يتعلق بالتنك والقصدير، وهذا الأمر اعتدته منذ سنوات، حيث أقصد محل "مصطفى سليم" لأنه حرفي ممتاز ويمتلك روحاً جميلة تجذب جميع الزبائن للتعامل معه بكل أريحية».