تقع بين كتل صخرية كلسية قاسية، تتخللها بعض الشجيرات، ولا يوجد طريق معبد يصل إليها، بل يحتاج زائرها إلى السير على قدميه في طريق وعرة لمسافة تقارب 1500 متر، ابتداءً من قرية "بدوقة" وإلى الغرب منها، أو من قرى أخرى أكثر بعداً.

قرابة الحادية عشرة ظهراً كان الراعي "محمود شحود" قد وصل مع قطيعه، لتبدأ استراحته في مكان من أجمل الأماكن وأكثرها تفرداً في سلسلة الجبال الساحلية، وعن المكان حدثنا الراعي قائلاً: «آتي إلى هنا لأن هذه "الرامة" لا تنضب مياهها أبداً، ولدينا شح ماء في قريتي "بدوقة"، وهنا المكان الوحيد الذي يبقى فيه الماء متجمعاً في الصيف، أما في الشتاء فيرتفع منسوبها وتكبر حتى يتدفق الماء منها إلى الوادي».

آتي إلى هنا لأن هذه "الرامة" لا تنضب مياهها أبداً، ولدينا شح ماء في قريتي "بدوقة"، وهنا المكان الوحيد الذي يبقى فيه الماء متجمعاً في الصيف، أما في الشتاء فيرتفع منسوبها وتكبر حتى يتدفق الماء منها إلى الوادي

يعني أهل المنطقة بعبارة "رامة" (البركة التي تتجمع فيها الماء)، لكن "محمود" أكد أن الماء الذي يغذيها مصدره نبع يقع في عمقها، ويقول: «يروي لي أبي أنه في أحد الأعوام الجافة انخفض منسوب "الرامة" كثيراً، وكان وسطها صخور كثيرة وحصى تمنع الوصول بسهولة إلى الماء فيها، فقرر أهل القرية رفع تلك الصخور، ونزلوا إلى عمق يزيد على تسعة أمتار، وكانت المياه عذبة وباردة في الأسفل».

استراحة القطيع

حول البحيرة توجد أعشاش ومخلفات لكائنات برية كثيرة وقربها تنمو أشجار البلوط والسنديان، وفي أحد الصخور الشامخة هناك بنى طائر يدعوه أهل القرية باسم "الفقيّق" عشه، واختارت الحرباء أن تبقى في الجوار لتلتقط بعض الحشرات التي تقصد المكان، وتبقى البحيرة سبباً أساسياً في بقاء قطيع "محمود"، وعن ذلك يقول: «أنا لا أستطيع الاستغناء عن هذه "الرامة" فأنا أملك ما يقارب 120 رأساً من الماعز تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء، وفي قريتنا المياه شحيحة جداً؛ وهذا المكان هو أفضل وسيلة لسقاية القطيع، كما تؤمن الطبيعة هنا النبات الذي يرعى منه القطيع، وهناك رعيان آخرون من القرية والقرى المجاورة يحضرون مع قطعانهم يومياً إلى هنا لذات الغاية».

ساق الراعي قطيعه ورحل، وبقيت البحيرة وادعة تنتظر زائراً جديداً، لكن الطبيعة الجيولوجية الفريدة لهذه البحيرة دفعتنا للبحث عن أصل تكونها، فهي من الناحية التكوينية تشبه الجوبات الواقعة إلى الشرق من بلدة "القرداحة" ونذكر منها جوبة "الربند" وجوبة "برغال"، لذا سألنا الجيولوجي "صفوان داوود" إن كانت تنتمي جيولوجياً إلى الجوبات، فقال: «الشكل المورفولوجي للبحيرة يذكرنا فعلاً بالجوبات، وعلى الرغم من أنها بعيدة عن تجمع الجوبات المعروف؛ إلا أنها على ذات خط الطول الذي توجد فيه، كما أنها متوضعة في صخور الجوراسي كما الجوبات تماماً، إلا أنها أصغر حجماً بكثير، وللتأكد من طبيعتها علينا أن نعثر في وسطها على حجر الكمبرليت الذي يحسم الأمر تماماً، من جهة أخرى يمكن أن تكون ناتجة عن التكهفات الكارستية، ويدعم وجهة النظر الثانية عمقها النسبي، ونبع الماء الذي يغذيها».

الراعي محمود شحود

روى لنا الراعي "محمود" أن هناك رامة أخرى أصغر مساحة من رامة "السميعين" وهي مشهورة بعد العثور على لقى أثرية حولها، مؤكداً أن لكلا الرامتين قصص وروايات تؤكد استخدامها من قبل الحضارات السابقة.

تأخذ البحيرة شكلاً بيضوياً بطول 40 متراً وعرض 25 متراً، أما عمقها فهو كبير وغير محدد وتشبه البئر بعمقها، والبركة بصغرها، والبحيرة بمائها الذي لا ينضب من النبع الذي في قاعها، ترتفع عن سطح البحر ما يقارب 900 متر، وأقرب القرى إليها هي "بدوقة" من الشرق، و"الشندخة" و"الجديدة" من الشمال، و"الدَّي" من الجنوب الغربي.

محمود شحود مع مراسل eSyria