تعد طقوس جمع نبات "الزوفا" من أجمل الطقوس التراثية للكثيرين من المعمرين، الذين واظبوا عليها منذ كانوا شباباً، فهي الآن رياضة يتمتعون بها كما يتمتعون بفائدة هذا النبات العطري الدوائي.

فنبات الزوفا بالنسبة للكثيرين من أبناء الريف الساحلي دواء ومشروب ومؤونة تراثية لأيام الشتاء، كما أن جمعه من الطبيعة -بحسب السيد "عزيز محمد" من أهالي وسكان قرية "خربة السناسل" التابعة لمدينة "بانياس"- هو حالة طقسية اعتادها ومازال يمارسها، وخاصة مع اجتماع عدة أصدقاء، وهنا قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 3 آذار 2015: «رحلة جمع نبات الزوفا من البرية رحلة ممتعة بالنسبة لي، لا أكاد أتخلف عنها في كل موسم، حيث نجتمع مع بعض الأصدقاء من ذات العمر ونجهز بعض الحاجيات البسيطة الخفيفة الوزن الخاصة بالرحلة البرية، ومنها على سبيل المثال الغاز الصغير وإبريق المتة وبعض الأطعمة كالبطاطا المسلوقة و"الكشك" والزيتون والبصل اليابس والبندورة وزيت الزيتون.

نبات الزوفا خفيف الوزن، وهو الأمر الذي سهل علينا جميع كميات كبيرة منه خلال الرحلة البرية، وكنا حين نشعر بالتعب والجوع نفترش الأرض العشبية لتناول ما أحضرنا من طعام، وهي متعة كبيرة ننسى خلالها كل التعب، ولن يدركها إلا من خاض هذه الرحلة

إضافة إلى عدة أكياس في الأغلب كانت تصنع من القماش، ولكن اليوم هي من البلاستيك، لنضع فيها نبات الزوفا بعد الجمع، وبعدها نقصد البرية بمساحاتها الشاسعة وسمائها الصافية، ونبحث ما بين الجدران الحجرية المبنية منذ مئات السنين لحماية التربة من الانزلاق أو ما يطلق عليها "رعش"، وعلى الصخور المثقبة التي تحتوي كميات قليلة من الأتربة، وجميعها يجب أن تكون ضمن الجهة المقابلة لسطوع الشمس، أو ما يعرف تراثياً وشعبياً "الميمنة".

الجد إبراهيم

هذه المعلومات الأولية يدركها كل من عاشر المعمرين السابقين بعملية جمع الزوفا، وواظب عليها حتى الآن».

السيد "جميل وردة"؛ ستيني من أهالي وسكان قرية "خربة السناسل" أيضاً، قال: «أنا على استعداد للسير عشرات الكيلومترات يومياً، لأني معتاد على هذا الأمر منذ كنت شاباً، فكثيراً ما كنت أقوم به مع الصديق "عزيز" حيث كنا نسير كثيراً بين الأحراش وعلى الصخور وفي الأودية وعلى قمم الجبال بحثاً عن نبات الزوفا في الطبيعة البرية، مدركين أهمية هذا السير بالنسبة للصحة العامة، فهي كما يقال عنها حالياً رياضة مسير طبيعية، إذاً رحلة جمع الزوفا كانت رياضة أجدادنا قبلنا وهي رياضتنا الآن».

الباحث حسن اسماعيل

ويتابع الجد "جميل": «نبات الزوفا خفيف الوزن، وهو الأمر الذي سهل علينا جميع كميات كبيرة منه خلال الرحلة البرية، وكنا حين نشعر بالتعب والجوع نفترش الأرض العشبية لتناول ما أحضرنا من طعام، وهي متعة كبيرة ننسى خلالها كل التعب، ولن يدركها إلا من خاض هذه الرحلة».

الجد المعمر "إبراهيم سليمان" من قرية "وادي البركة" التابعة لناحية "العنازة"، ممن قاموا برحلة جمع الزوفا عشرات المرات في مرحلة الشباب وحتى الآن، قال: «ليس هناك أجمل من التنزه في الطبيعة، وهو شأن رحلة جمع نبات الزوفا الذي نجمعه عادةً بعد مرحلة النضج في شهر أيار تقريباً، ونستمر لحوالي الشهرين، ومن خلال استمرار الأعمال الحقلية اليومية ندرك متى يصبح ناضجاً، فنتجهز للرحلة.

الزوفا جاهزة للاستخدام

بالنسبة لي ولجميع من يجمع هذا النبات البري العطري فهو مؤونة تراثية اعتدنا تجهيزها لفصل الشتاء، وأنا أختزن منها كميات تكفيني حتى رحلة قادمة، ففوائد هذا النبات البري كثيرة، وأهمها أنه شراب ساخن في فصل الشتاء، يشعرني بالدفء خلال تناوله بشهري "فحول" الشتاء؛ وهما شهرا كانون الأول والثاني».

ويضيف الجد "إبراهيم": «منهم من يتناول مشروب الزوفا بعد جمعه مباشرة، أي قبل تجفيفه في الظل ليكون جاهزاً لمؤونة الشتاء، ومنهم من يفضله بعد تخزينه أي في فصل الشتاء، ولا يوجد فرق كبير بين المشروبين، ولكن الأخضر نكهته العطرية أقوى، وتظهر خلال مراحل التعامل معه وغسله وغليه لشربه».

وفي لقاء مع الباحث التراثي "حسن اسماعيل" ابن قرية "وادي البركة" قال عن نبات الزوفا: «هو من النباتات العطرية البرية الدوائية ذات الفائدة الصحية والبدنية الكبيرة، وهو مؤونة الشتاء منذ مئات السنين في الريف الساحلي، إذاً هو مشروب تراثي من الناحية العملية.

كان يجمع في طقوس لها خصوصيتها الاجتماعية، لأن منقوعه مشروب دوائي بالنسبة لجامعيه في فترة لم تتوافر الأدوية الكيميائية، فمشروبه من الناحية العلاجية ملين للأمعاء وطارد للغازات، لذلك كان يستخدم للأطفال الصغار أيضاً.

وكان يجمع في الصيف وفي موسم الحصاد حيث تكون النبتة ناضجة ومكتملة الفائدة، فيقطفونها من خلال تكسير سوقها الطويلة نوعاً ما، وتربط في حزم صغيرة وتوضع في أكياس قماشية لحين العودة من رحلة الجمع إلى المنازل.

تميز هذا النبات بقوة نموه حيث ينبت بين الصخور وعلى "الرمايا" لأنه لا يحتاج إلى الكثير من الغذاء لنموه».