إلى الشرق من مدينة "طرطوس" بحوالي خمسة وعشرين كيلومتراً كانت رحلتنا إلى نبع "عين الملكونه" في قرية "بقعو" التابعة لمدينة "الدريكيش"، التي تبعد عنها نحو ستة كيلومترات، حيث الغزارة والتدفق والقيمة التراثية.

وقد تعددت الروايات عن سبب تسميته بنبع "عين الملكونه" خاصة أنه لا يوجد شيء مكتوب وموثق، ويبقى الأهم من التسمية بالنسبة لأبناء قرية "بقعو" جريان المياه الدائم فيه.

هو نبع ماء خفيف مقارنة مع غيره من الينابيع، ومع هذا يروي مساحات زراعية جيدة

السيد "يوسف برهوم" من أبناء وسكان القرية تحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 8 حزيران 2014، عنه فقال: «ارتبطت قيمة نبع "عين الملكونه" بالكثير من الأمور التراثية التي أدركها أبناء القرية عبر عقود عدة، ومنها القصص التراثية المتناقلة بين الأجيال في القرية عن ضعف مياهه في فترة من الفترات، ومن ثم تدفقها بقوة وغزارة بعد أن شرب منها أحد أصحاب الكرامات عند الله ودعا الله أن يجزي أبناء القرية الخير على كرمهم له».

نبع عين الملكونة

فالنبع بالأساس وبحسب حديث مدرس التاريخ "علي رزق" من أبناء وسكان القرية: «هو نبع ماء خفيف مقارنة مع غيره من الينابيع، ومع هذا يروي مساحات زراعية جيدة»، ويوضح ذلك بقوله: «اعتمد أبناء القرية المزارعين على نبع "عين الملكونه" اعتماداً كبيراً لري حقولهم الزراعية رغم ضعف مياهه في فترة من الفترات، وقد وصلت مساحة هذه الحقول الزراعية إلى حوالي 100 دونم، وذلك نتيجة لجريان مياهه بشكل دائم صيفاً وشتاءً، ولموقعه الجغرافي المميز المنخفض عن مستوى سطح الأرض بعدة أمتار، الذي وكما يقال في القصص التراثية الشعبية إنه مقصد أغلب عابري السبيل المارين بالقرية أو بجوارها، فهو يتوضع في الجهة الغربية من القرية في منتصف ساحة معبّدة ومزفّته بشكل جيد، أي إن الطرق الإدارية النظامية تحيط به من جميع الجهات، ومنها ما يصل إلى خارج القرية كطريق رئيسي.

وقد حافظت البلدية عليه لقيمته التراثية والتاريخية بتنظيم محيطه بالطرق الجيدة، وتشذيب جواره بالترميم والتأهيل لبعض حجاره ومجراه المائي».

زياد معلا في الغرفة الخارجية للنبع

وعن بعض تفاصيل نبع "الملكونه" يقول: «يمكن الوصول إلى النبع بالنزول تحت مستوى الأرض حوالي عشر درجات، فنرى جدراناً مرتفعة من الحجر الطبيعي على محيط هذه الفسحة ما قبل النبع، حيث المنبع والمصرف، وكان للنبع فرعان يظهران بعد أن تخرج المياه من وسط الصخور والغرفة الحجرية المبنية لها، الأول منهما على الجهة اليمنى واستخدم لري الحقول الزراعية، والثاني على الجهة اليسرى استخدم من قبل المارة على الطريق أو كفائض عن النبع الداخلي. وهذان الفرعان شكلا بالعموم ما يشبه مثلث هندسي مائي يشبه المسبح الصغير، وكنا نستخدمه للسباحة والتمتع بمياهه في الصيف وخاصة في السابع عشر من نيسان من كل عام أو ما يعرف شعبياً هنا بعيد "الرابع"، وذلك بحضور الأهل الذين كانوا يخافون من بقائنا وحدنا في مياهها لقوتها وغزارتها».

أما عن تسمية نبع "عين الملكونه" بهذا الاسم، فيقول المعمر من أبناء وسكان القرية "علي سلمان أحمد": «قصص متعددة سمعناها عن سبب التسمية، منها ما يقول إن النبع ملك للحقول التي تسقى منها، والتي لم يكن يوجد بجواره وحوله استيطان بشري في فترة من الفترات السابقة فسمي بما يصف هذا الواقع والحالة، ومنها ما يقول: إن ملكة جميلة كانت ترتاد النبع باستمرار لجمالية موقعه ونقاء مياهه فأطلق عليه "الملكونه" نتيجة لذلك».

الأستاذ علي رزق

وفي لقاء مع الأستاذ "زياد معلا" من أبناء القرية وسكانها، قال: «لم يكن نبع "عين الملكونة" بتاريخه القديم النبع الوحيد في قرية "بقعو"، بل كان هناك نبع آخر يسمى "نبع الضيعة"، ولكن "الملكونه" كان الأميز من ناحية قصصه التراثية وموقعه الجغرافي وشكل بنائه الحجري ومجراه الطويل جداً، فالغرفة الحجرية المبنية فوق مكان انبجاس المياه تبلغ مساحتها نحو تسعة أمتار مربعة مفصول فيما بينها داخلياً بجدار حجري يشكل غرفتين صغيرتين داخلية وخارجية، وسقفها مبني بطريقة العقد الحجري على شكل قبة صغيرة، وحجارة الغرفة مثبتة مع بعضها بعضاً بواسطة مادة "الكلين"؛ وهي عبارة عن خلطة من الكلس المحروق والتراب، وحجارته مشذبة ومتوسطة الحجم ومائلة إلى اللون الأصفر والأخضر».