طبيعة التربة والصخور، وطول فصل الجفاف، وشحّ الينابيع؛ فرضت المعاناة على أهالي قرية "خربة عامودي" من ناحية تأمين سقاية الأراضي الزراعية واستقرار الإنتاج؛ وهو ما استدعى الحاجة إلى إيجاد حلّ لهذه المشكلة؛ حيث قام الأهالي ببناء خزانات تحفظ مياه الينابيع المهدورة بجهود ذاتية جبارة.

مدونة وطن "eSyria" وخلال زيارتها للقرية، بتاريخ 15 آذار 2017، التقت "عدنان أحمد منصور" من أهالي القرية، وأحد أعضاء الجمعية الخيرية فيها، حيث قال: «تعدّ "خربة عامودي" من القرى النائية في ريف "القدموس"؛ وهذا ما جعلها تفتقر إلى بعض الخدمات؛ أهمها ما يتعلق بالمياه. وفي الواقع، منذ سنوات تمّ العمل على مدّ شبكة لمياه الشرب، إلا أنها لا تكفي إلا جزءاً بسيطاً من احتياجات المنازل وبعض الاستعمالات الأخرى، حيث يتم ضخ المياه للقرية مرة واحدة أسبوعياً؛ فكان لا بدّ من إيجاد حلّ يساعد على استثمار الينابيع الموجودة في القرية، التي يزيد عددها على سبعة ينابيع، ثلاثة منها في الجزء الشمالي للقرية عند مدخل الحارة الشرقية، وأربعة ينابيع أخرى في الجهة الجنوبية في منطقة شديدة الانحدار تحتاج إلى الكثير من الجهد للوصول إليها سيراً على الأقدام، وهي: ينابيع "عين الكروم"، و"عين الوادي"، و"عين الجوزة"؛ وكلها صالحة للسقاية فقط، إضافة إلى نبع "عين الحورة" الصالح للشرب والسقاية معاً».

قامت اللجنة بعد الانتهاء من بناء الخزانات بتوزيع المياه على أصحاب الأراضي الزراعية بطريقة عادلة، فالمزارع لا يحق له الحصول على المياه من نبعين باليوم نفسه، كما لا يمكنه أن يحصل على دورين من النبع نفسه، وبهذا نضمن استمرارية حصول المزارعين على المياه اللازمة للسقاية بالتناوب وطوال أيام الأسبوع، مع إمكانية ريّ الأراضي كلها، خاصة في الأيام الصيفية الحارة والجافة

ويكمل: «تمّ تأليف لجنة من أهالي القرية بهدف القيام بمبادرة لتقديم المساعدة للأهالي بعدة مجالات، أهمها العمل على إجراء إصلاحات على الينابيع، والهدف منها استثمار المياه المهدورة وبناء خزان لكل نبع ليتم تجميع المياه ضمنه، وكان ذلك مع بداية عام 2007، واستمر العمل في المشروع عدة أعوام متتالية، وقد تم جمع مبلغ من المال من قبل الأهالي وشراء المعدات اللازمة، ومن لم يستطع التبرع بالمال تبرّع بالعمل، خاصةً الشباب الذين قسّموا أنفسهم إلى مجموعات لنقل المواد إلى مناطق الينابيع عبر طرق صعبة ووعرة، ومنهم من نفّذ عمليات الحفر، ومجموعة أخرى باشرت بناء الخزانات ومدّ خطوط الأنابيب البلاستيكية من مناطق الينابيع إلى الأراضي الزراعية لتسهيل وصول المياه إليها. وبهذا وصلت نسبة استثمار مياه الينابيع إلى ما يقارب خمس وتسعين بالمئة من كمية المياه التي كانت تهدر في الماضي».

أحد الينابيع في القرية

أما عن كيفية توزيع المياه بين الأهالي، فيقول "فايز محمد منصور" أحد أعضاء جمعية "خربة عامودي" الخيرية: «قامت اللجنة بعد الانتهاء من بناء الخزانات بتوزيع المياه على أصحاب الأراضي الزراعية بطريقة عادلة، فالمزارع لا يحق له الحصول على المياه من نبعين باليوم نفسه، كما لا يمكنه أن يحصل على دورين من النبع نفسه، وبهذا نضمن استمرارية حصول المزارعين على المياه اللازمة للسقاية بالتناوب وطوال أيام الأسبوع، مع إمكانية ريّ الأراضي كلها، خاصة في الأيام الصيفية الحارة والجافة».

يعدّ تنفيذ مشروع بناء الخزانات تغييراً حقيقياً لواقع الزراعة في قسم كبير من أراضي القرية؛ هذا ما حدّثنا عنه "رياض صالح صالح"، وهو من المستفيدين من المشروع، ويكمل: «في الماضي كنا نعتمد في زراعتنا على كميات الأمطار غير المستقرّة أساساً، لا من حيث الكمّ ولا من حيث مواعيد الهطول؛ وهذا انعكس على إنتاجنا الزراعي الذي كان يختلف من عام إلى آخر حسب الموسم المطري، وهنا جاءت فكرة بناء الخزانات بمجهود أهلي لتحول قسماً من زراعات أراضينا إلى زراعة مروية على مدار العام؛ وهذا انعكس إيجاباً على استقرار المواسم الزراعية وزيادتها؛ فتمكنّا من تحسين مستوى الدخل بما يدعم احتياج كل مزارع وربّ أسرة».

عدنان منصور

ما يجدر ذكره، أنّ قرية "خربة عامودي" من القرى الجبلية التي تتميز بانحداراتها الشديدة، وهي من القرى التي تقع ضمن نطاق المناخ المتوسطي الجبلي الذي يتميز بشتاء ماطر رطب وبارد، مدة هطولاته قصيرة تمتد من أربعة إلى خمسة أشهر في السنة، وبمعدل أمطار يزيد على 1000مم. أما صيفه، فهو جاف وحار وطويل، والصخور في المنطقة من النوع الرسوبي كالكلس والدولوميت، وتتميز بكثرة المسامات والشقوق فيها؛ وهو ما ساهم في انعدام الجريانات المائية السطحية الدائمة في المنطقة، خاصة في فترة الجفاف الصيفي.