زراعة الفاكهة الاستوائية، تأمين غراسها والعناية بها، التسويق الفعلي والإعلامي للإنتاج، والاهتمام الحكومي التخصصي؛ جوانب يكتمل بها مشروع تطوير زراعة الفاكهة الاستوائية في الساحل السوري.

تتابع "مدونة وطن" ملف توثيق ونشر زراعة الفاكهة الاستوائية في "سورية" لأهداف منها: تحقيق التنوع في المائدة المحلية، وإيجاد رديف غذائي لبعض الفيتامينات الضرورية للإنسان، إضافةً إلى إظهار التنوع الزراعي الموجود في "سورية"، وهذا يمكن توظيفه لخدمة السياحة مستقبلاً، والهدف الأساسي هو فتح الباب أمام المزارعين لتحسين دخلهم.

نقوم من جهتنا بتجريب الفاكهة الاستوائية الداخلة إلى "سورية"، ونجري عليها تجارب التأقلم اللازمة، ومن ثم ننشرها كزراعة تعطي ربحية اقتصادية جيدة للمزارع، عدا برامجنا المستقبلية للترويج لهذه الزراعات وتعريف الناس بها

هذه النقاط إضافة إلى ما تم ذكره في المقدمة ستكون محور بحثنا وحديثنا مع عدد من المجربين وذوي الصلة بنشر الفاكهة الاستوائية وزراعتها، والبداية مع المهندس الأستاذ "فارس أبو عباد" من مدينة "طرطوس"، وأحد المجربين لزراعة الأفوكادو، وذلك في حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 22 كانون الأول 2014، حيث قال:

تسويق الفاكهة الاستوائية المحلية على نطاق ضيق

«يحتاج الموضوع إلى فكرة "مشروع متكامل"، وفي "سورية" ينقصنا المشروع، فعندما كنت أدرس في ألمانيا كنت أشاهد الفاكهة المستوردة من "تركيا، والمغرب..."، وهذه الدول لا تنتج الفاكهة إنتاجاً أفضل من "سورية"، فلماذا كان المنتجون هناك يستأجرون الطائرات والزوارق التجارية لشحنها إلى أوروبا وفي سورية لا؟ وإسبانيا تصدر فاكهتها إلى دول الخليج بمنتهى السهولة والربحية الممتازة، ونحن أقرب منها وكنا نعجز عن تحقيق ذلك، هذه هي فكرة المشروع التي تنقصنا، سواء بالنسبة للفاكهة الاستوائية أو لإنتاج "سورية" من مختلف أنواع الفاكهة، واليوم لدينا فرصة هائلة لتسويق إنتاجنا إلى روسيا الباردة، التي تحتاج معظم إنتاجنا لعدم قدرتها على إنتاجه بسبب فروق الحرارة، وقد مضت أربع سنوات من الأزمة الاقتصادية الخانقة، ولم نر ذلك المشروع».

يتابع في ذات السياق: «أما الفاكهة الاستوائية فقد بدأت هي أيضاً تتعرض لكساد كبير خاصة "الأفوكادو" الذي تراجعت أسعاره دون المقبول عام 2014 بسبب ضخامة الإنتاج، فأين المشروع في ذلك؟ وهذا الحديث يقودنا إلى فكرة الإحصاء، والتخطيط الزراعي، وأين دور الجهات المتخصصة في توثيق أعداد الأشجار الاستوائية، وتقديم النصح للمزارع فيما يجب زراعته، لعدم الوصول إلى ما وصلت إليه الحمضيات».

زراعة ناجحة لجميع الأنواع الاستوائية والمدارية التي أدخلت إلى سورية

من جهته يقول السيد "علي الدويري" من منطقة "دوير الشيخ سعد" الذي يملك مزرعة غنية بأنواع الأشجار الاستوائية: «نحتاج لخطة متكاملة فيما يخص إنتاج الفاكهة الاستوائية، وإذا سلمنا جدلاً بأن الشتول أصبحت متوافرة، فأين قنوات التصريف لبيع هذه المنتجات؟ وأين الدعم الإعلامي الذي ينقل واقع هذه الزراعة ويتواصل مع جهات الشراء داخل "سورية" وخارجها؟ كما في كثير من مواقع الإنترنت العربية، وعلاوة على ذلك لا بد من التأكيد على أن الجهات المتخصصة لا تقدم أي فائدة لنا في هذا الخصوص، ولا نستفيد لا في الحصول على الشتول –الباهظة الثمن حالياً بمعدل 20ألف ل.س لبعض الشتول– ولا في النصح ومكافحة الآفات، ولا في تصريف الإنتاج والترويج له».

أما الأستاذ "إبراهيم شيحا" مدير "مركز البحوث العلمية الزراعية" في "طرطوس" فيقول: «نقوم من جهتنا بتجريب الفاكهة الاستوائية الداخلة إلى "سورية"، ونجري عليها تجارب التأقلم اللازمة، ومن ثم ننشرها كزراعة تعطي ربحية اقتصادية جيدة للمزارع، عدا برامجنا المستقبلية للترويج لهذه الزراعات وتعريف الناس بها».

دور مهم للمشاتل الزراعية، لكنه دون المطلوب

من جهة أخرى حمّل الأستاذ "فارس" المزارع جزءاً من المشكلة، وعن ذلك يقول: «يحاول المزارع المحلي البيع بأسعار كبيرة بمعدل ربح يزيد على النصف إلى 100% أحياناً، وهذا يحمّل المشتري تكاليف تجعله يصرف النظر عن اقتناء بعض الفاكهة الاستوائية الغريبة، ومن ثم نشاهد هنا أخطاء فادحة في العقلية التي يتعامل بها المنتج، حيث يجب الاكتفاء بربح قليل مقابل البيع الكثير، ويجب الاقتناع بمعدل قليل للربح لترويج هذه الزراعات وتعريف المستهلك المحلي قبل الخارجي بها».

نلتزم في "مدونة وطن" بآراء المختصين في مجال الزراعات الاستوائية، لكن دخولنا عميقاً في تفاصيلها جعل من الممكن الإدلاء برأينا بناء على ما جمعناه من معلومات، وكصدى لحديث عدد كبير من المزارعين والمختصين بتسويق الفاكهة الاستوائية وتوريد بعض أنواعها.

وفي بداية حديثنا نلاحظ أن هناك علاقة سلبية تكونت بين المزارع والجهات الزراعية الرسمية المتخصصة، ففي حادثة جرت قرابة عام 1998 يذكر مزارع أن جهات من وزارة الزراعة جاءته للحصول على كميات كبيرة من "البابايا"، بدعوى تقديمها كضيافة لوفود أجنبية تزور "سورية"، أما النتيجة فهي عدم حصول المزارع على مقابل هذه الفاكهة، مع تأكيده على أن قسماً كبيراً ذهب لجهات أخرى باعت البذار للمشاتل الزراعية بأسعار كبيرة، وبعد هذه الحادثة أحجم هذا المزارع نهائياً عن زراعة "البابايا".

من جهة أخرى حصلنا على كثير من معلوماتنا التفصيلية اللازمة لتوثيق الفاكهة الاستوائية في الساحل السوري من المواقع العربية والخليجية أكثر، رغم أن هذه المواقع متواجدة في دول لا تستطيع بيئاتها تحمل هذه الزراعات، في حين لا يوجد في "سورية" موقعاً واحداً متخصصاً بالترويج للفاكهة الاستوائية، رغم أنها منتشرة في البلاد منذ عام 1970، مقارنة بلبنان الذي ينتج كميات كبيرة ومميزة من هذه الأنواع الكثيرة، وتكتمل فيه حلقة الإنتاج والترويج والتسويق.

في ذات السياق نلاحظ أن مراكز البحوث المتخصصة تبتعد عشرات السنين عما وصل إليه المزارعون في تجاربهم، فبينما يقوم مركز البحث العملي المختص بتجريب إحدى الفاكهة وصولاً إلى نشرها، نرى المزارعين قد جربوا العشرات غيرها، وبدؤوا بالإنتاج الاقتصادي وتلك المراكز لا تزال حيث هي في تجريب عدد محدود من الأنواع، أما في المشاتل الزراعية فهناك أزمة أخرى تتعلق ببيع الشتول بأسعار غير منطقية، فقد علمنا أن معظم الفاكهة الاستوائية والمدارية تتكاثر بسهولة وسرعة كبيرة مقارنة بالفاكهة المتوسطية في حين أن أسعارها تحلق بعيداً عن السعر المنطقي بين "500، و4000" إلى 10 آلاف و20 آلف ليرة سورية لبعض الأنواع للشتلة الواحدة.

وختاماً، فقد تحدث معظم من التقيناهم بإيجابية عن المشروع الذي تقوم به مدونة وطن لتوثيق ونشر زراعة الفاكهة الاستوائية، مؤكدين في ذات الوقت على ضرورة دخول الدولة على هذا الخط بالدعم، وتقديم التسهيلات اللازمة لإكمال المبادرة.