في ظل أزمة الطاقة العالمية يبدو البحث عن بدائل محلية أمراً ضرورياً، وهنا يدفع بتمز الزيتون أو الجفت إلى الواجهة من جديد في الساحل السوري كبديل قد ينقذ أشجاره الحراجية من التحطيب الجائر.

الجفت أو ما يعرف بـ"تمز الزيتون" هو بقايا ثمار الزيتون الصلبة بعد عصر الزيتون، وتتكون من قشور حبيبات الزيتون والحشوة والبذرة القاسية المطحونة ونسبة ضئيلة من الزيت، ويشكل التمز80% من كتلة الزيتون المعصور، وهذه التركيبة الفريدة كما يقول المهندس "محمد عبد الله" الذي التقته مدونة وطن eSyria بتاريخ 20/11/2012، وهو صاحب معصرة زيتون في قرية البراج منطقة بانياس: «إنها سمحت للناس منذ أزمنة قديمة باستخدام تمز الزيتون للتدفئة ولأغراض أخرى مثل تسخين المياه والطبخ من خلال حرق التمز في مدافئ الحطب، وبسبب وجود نسبة زيت ضئيلة تبلغ 2% تقريباً، فإن التمز يشتعل ويعطي ناراً قوية كافية لمختلف الأغراض».

نقوم بشراء التمز من أصحاب المعاصر ومن ثم نقوم بتجفيفه وضغطه على شكل اسطوانات طول الواحدة منها 30 سنتمتراً، وتغلف وتصدر إلى دول الاتحاد الأوروبي بشكل رئيسي

يتابع: «إن كمية ضئيلة منه تكفي لساعات طويلة أو كما يقول كبار السن فإن 3 كبابيل (قطع من التمز) يبلغ وزنها تقريباً 2 كيلوغرام تكفي للتدفئة لسهرة كاملة تبدأ من الخامسة مساء وحتى منتصف الليل، أضف إلى ذلك فإن حرق التمز لا يضر بالبيئة أبداً، فالغازات التي يطلقها التمز هي الماء وبعض الأكاسيد التي تتفكك بالحرارة، كما أن الرماد الناتج عن الحرق يرش حول المزروعات كالبندورة فيقيها هي الأخرى من الصقيع ويسمدها في آن واحد.

هذه الدورة الكاملة لهذا المنتج تمر بعدة مراحل، تبدأ بتجميع الجفت من المعصرة، ومن ثم عزله ليخضع بعدها للتخمير والتشميس على مدى أشهر، ثم يبدأ التصنيع والإنتاج، ليتميز بسرعة اشتعاله مع قدرة حرارية قوية اللهب، ما جعله يلاقي رواجاً بين الناس حيث يتزايد الطلب عليه من سنة إلى أخرى، خاصة مع مطلع فصل الشتاء، وهذا ما دفع بأصحاب المعاصر إلى وضع تلك الصناعة في صلب اهتمامهم، فعملوا على تزويد معاصرهم بالماكينات المخصصة لتصنيعه، فارتفع عددها وإنتاجها.

السيدة "منار الحسن" تذكر بالقول: «إن الصناعة اليدوية للجفت وتسمى العرجوم أيضاً والتي يقوم بها معظم أهالي الساحل والداخل السوري، فإنها تقتصر على تكبيل التمز على شكل كتل دائرية الشكل أو باستخدام أوعية بلاستيكية، حيث تجتمع العائلة بكاملها في طقس اجتماعي لصناعة العرجوم، والذين كانوا يشمسون التمز بعد تكبيله ووضعه على السطح لمدة أسبوعين فأكثر حتى يجف ويصبح كالحجر، ومن ثم يخزن في أماكن جافة لحين الحاجة».

المهندس "سامر حمامة" موظف من قرى جبلة أشار بالقول: « لقد أصبح تصنيع الوقود من جفت الزيتون موضع اهتمام العاملين في شؤون البيئية والتجارة، إضافة إلى أصحاب المعاصر والمزارعين نظراً للنجاح اللافت الذي حظي به هذا النوع من الوقود، خاصة لجهة تدني أسعاره مقارنة بحطب الأحراج، حيث تبلغ التكلفة المادية لطن من الخشب أكثر من 6 آلاف ليرة سورية، ومقارنة أيضاً بالكاز والغاز وأجهزة التدفئة الكهربائية، بالإضافة إلى أن استغلال الجفت وتجنب رميه في العراء له مفاعيل بيئية إيجابية على الحقول الزراعية وعلى مصادر المياه».

يضيف: «إنه إضافة للمردود الاقتصادي، فهناك فوائد كثيرة للتمز منها الحفاظ على البيئة، فرمي مادة التمز عشوائياً في الطبيعة يؤدي إلى روائح كريهة وضارة، واستعمالها للتدفئة والتسخين في الشتاء يساهم في الحفاظ على الثروة الحراجية المتناقصة بتخفيف هجمة الحطابين وأصحاب المناشر الكهربائية على الأحراج والتي ألحقت بها خسائر فادحة خلال السنوات القليلة الماضية».

يبلغ إنتاج سورية من التمز حسب احصاءات وزارة الزراعة أكثر من 400 ألف طن، يتم تصنيع جزء منه، ولكن المصنع يصدر كاملاً إلى الخارج وتطرح كمية قليلة منه في الأسواق المحلية، وهنا يشير السيد "عدنان طعمة" أحد المصدرين من محافظة طرطوس: «نقوم بشراء التمز من أصحاب المعاصر ومن ثم نقوم بتجفيفه وضغطه على شكل اسطوانات طول الواحدة منها 30 سنتمتراً، وتغلف وتصدر إلى دول الاتحاد الأوروبي بشكل رئيسي».

وأشار السيد "طعمة" «إلى أنه يتم إضافة بعض المواد غير الضارة بالبيئة إلى الجفت كي يتم خفض كمية الدخان الناتج عن عملية الحرق، مؤكداً عدم اختلاف احتراق التمز عن الحطب الطبيعي مع الحفاظ على رونق إشعال الحطب في البيوت وارتباطه الأثير بالسهرات والعلاقات الاجتماعية الطيبة.

يذكر أخيراً أن هذا المجال الاستثماري يمكن تعزيزه وخلق صناعة متكاملة توفر ليس فقط فرص عمل بل إقامة علاقة صحية مع البيئة والاقتصاد والمجتمع في آن واحد».