استوطنت عدة عائلات قبل حوالي 300 عام الهضبة الشمالية المشرفة حالياً على بحيرة سد "الباسل"، مشكّلة قرية "مسقس" التي توسعت جغرافياً لتشمل تلال إضافية مع تطورها المتنامي وتوجهها نحو العلم، حيث عملت بالحرير الطبيعي وازدهرت حياتها، وغدت واحدة من القرى المتميزة.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 14 أيلول 2020 قرية "مسقس"، والتقت الجيولوجي "بلال يوسف" من أهالي وسكان القرية، حيث قال: «قريتنا الصغيرة "مسقس" أو كما يطلق عليها شعبياً "بمسقس" تقع جنوب غرب مدينة "صافيتا"، وتبعد عنها حوالي 14 كيلومتر، وكانت أولى الحياة البشرية فيها منذ نحو ثلاثة قرون، عندما استوطنت مجموعة من العائلات القرية القديمة الواقعة على تلة مرتفعة قريبة من نبعي مياه، الأول حمل اسم القرية نبع "مسقس"، وهو ما يزال قائماً دون تغيير حتى الآن، والثاني حمل اسم "الصوفي" ولكنه غمر بمياه بحيرة سد "الباسل" لاحقاً.

كان لدينا سابقاً طواحين حبوب تعمل على المياه كطاحونة "الجسر"، و"العمريني" و"رزق"، و"الصف"، وقد استخدمت لطحن الحبوب لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطحين والخبز

ومع تزايد عدد السكان الذي أصبح حالياً حوالي 1817 نسمة توسعت القرية جغرافياً لتشمل تلتين إضافيتين، وأصبح التوسع الحديث على ثلاثة تلال مشرفة من الجهة الشمالية على بحيرة السد، وهذا جعل من مناخها معتدلاً رغم ارتفاعها عن سطح البحر الذي يصل لحوالي 190 متراً، وكذلك بعدها عن مركز مدينة "طرطوس" البحرية نحو 25 كيلومتر.

ضيوف المدونة خلال زيارة القرية

واللافت أن الأهالي امتهنوا قديماً تربية دودة القز وإنتاج الحرير الطبيعي، وهذا كان سبباً أساسياً في تسمية القرية قديماً بـ "دِمقس"، حيث يعتبر لغوياً وعربياً اسماً مشتقاً من أسماء الحرير الطبيعي».

أما المهندس الزراعي "رامي حسن" من أهالي القرية فقال: «تتألف القرية من السكن القديم، ومزرعة "الباسل" خلال التوسع الحديث، وتتوزع على نحو 800 هكتار، وقد كانت سابقاً عبارة عن مواقع جردية لا يوجد فيها أي نباتات أو أشجار، ولكن مع جدارة الأهالي بالعمل تحولت إلى مدرجات مزروعة بأشجار الزيتون وبعض الأشجار المثمرة الأخرى، ولكن مع تزايد عدد السكان ضعفت الحيازات الزراعية إلى حد كبير».

جانب من القرية

ويضيف: «كان لدينا سابقاً طواحين حبوب تعمل على المياه كطاحونة "الجسر"، و"العمريني" و"رزق"، و"الصف"، وقد استخدمت لطحن الحبوب لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطحين والخبز».

وعن حدودها الجغرافية قال: «يحدها من الجهة الغربية قريتي "تركب"، و"زبرقان"، ومن الجهة الشمالية قرية "البياضا"، ومن الجهة الشرقية بحيرة سد "الباسل"، ومن الجهة الجنوبية ناحية "الصفصافة"».

موقع قرية مسقس وفق جوجل إرث

وفي لقاء مع رئيس بلدية "تركب" التي تتبع لها القرية، "سامر صالح" قال: «خرج من هذه القرية الصغيرة شخصيات فكرية تنويرية عدة أمثال عالم الدين الشيخ "محمد حسين" الذي عرف بفكره المتنور والحقيقي الذي منحه لجميع الناس، وكذلك أدباء وشعراء أمثال الشاعر "عدنان خضر"، والأديب "محمود حسين"، والشاعر "حسن حسين"، فالقرية ولادة بالفكر والمعرفة والشعر الفطري والأكاديمي، ومحبة الأهالي لبعضهم البعض وتعاضدهم فيما بينهم، وهذا تأصل بالعمل الشعبي الذي أنتج الطرق الزراعية والحراجية رغم قلتها.

وفيها تعدد عائلات كآل "يوسف"، وآل "حسين"، وآل "حبيب"، وآل "حسن"، وآل "حيدر"، وآل "زاهدة"، وآل "خدام"، وآل "الخطيب"».

وعن الواقع الزراعي قال المهندس الزراعي "هيثم حسين" من أهالي وسكان القرية: «عمل الأهالي منذ زمن بعيد على زراعة أشجار الزيتون مع تدرج الأراضي الزراعية ووعورتها، وعدم توفر الطرق الزراعية الخدمية، مع زراعة القمح وبعض الحبوب الأخرى للاكتفاء الذاتي، كما استفادوا من بعض المساحات المستوية ببعض مشاريع البيوت المحمية، ولكن قلة المياه كانت من أبرز الصعوبات التي واجهوها، فلا يمكن لهم الاستفادة من مياه بحيرة السد المنخفضة عن مستوى الأراضي الزراعية إلا بعمليات ضخ تديرها المحركات الميكانيكية من القناة الرئيسية الواقعة في نهاية القرية، وهذا غير ممكن وعلينا الاعتماد على مياه الأمطار فقط خلال دورة الحياة الزراعية.

ولكن الفائدة الوحيدة التي حصلنا عليها من وجود بحيرة السد هي تنشيط الحركة السياحية بعض الشيء، مع إنشاء بعض المقاصف والمطاعم السياحية، رغم ضعف الخدمات المحفزة لهذا العمل، كعدم توفر شبكات صرف صحي وعدم توفر شبكة طرق خدمية فاعلة بمواصفات سياحية، وهذا هاجس أغلب سكان القرية أيضاً، حيث يعتمدون على الجور الفنية».

مدير مدرسة "مسقس" الحلقة الثانية "ياسر حبيب" تحدث عن الحالة الثقافية والواقع التعليمي المتميز في القرية فقال: «تميزت القرية بالحالة الثقافية والتعليمية منذ القدم، حيث انطلقت باكراً على يد خطباء ومشايخ القرية التنويريين، وكادت أن تكون شعلة على مستوى المنطقة والمحافظة، وهذا كان له الفضل في التوجه نحو الوظائف الحكومية وتبوء الكثير من المناصب الرسمية.

سابقاً كان الأجداد يذهبون إلى مدينة "صافيتا" للتحصيل العلمي عبوراً بقرية "اليازدية" والمسيل المائي دائم الجريان رغم المخاطر، وهذا لأنهم وجدوا بالعلم المنجى الوحيد في تلك الفترة الصعبة، وبعدها أسسوا لمدرسة صغيرة كانت من أوائل مدارس المنطقة عام 1958، وذلك من خلال الأهالي والوجهاء الذين قدموا وتبرعوا لها، أمثال الشيخ "ياسين الطاهر"، حيث بدأت عملية التحصيل العلمي بالتوسع والانتشار على كافة الشرائح العمرية.

وبنيت لاحقاً مدرستين حلقة أولى مؤلفة من كتلتين فيهما حوالي 12 شعبة صفية، وعدد طلابها حوالي 330 طالب وطالبة، وحلقة ثانية صغيرة فيها ست شعب بعدد طلاب حوالي 130 طالب وطالبة، لا تكفي لإنجاح العملية التعليمية، ونضطر لاستخدام قاعة صفية من الحلقة الأولى عادة».