على سفح جبلٍ يعانق "وادي جهنم" تقع قرية "جارة الوادي" التي تعد من أقدم قرى السّاحل السّوري، وعند وقوفك على أطلالها تسرح بأفكارك في عالم من الجمال.

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 13 أيار 2019، التقت المدرس "فادي سليمان" ليحدثنا عن جغرافيّة وتاريخ هذه القرية، فقال: «الجمالُ الكامل يقطنُ في ريفنا السّوري، وأنا أراه في قريتي الصّغيرة الجميلة "جارة الوادي"، التي تقع بين مدينة "بانياس" ومنطقة "القدموس" وتبعد عن الطريق العام مسافة 6كم، وترتفع عن سطح البحر 650م في السّلسلة السّاحلية، تعود نشأتها القديمة إلى عصر الدّولة الآراميّة ودليلنا على ذلك تلك القبور والمدافن الحجريّة المتوزعة فيها، إضافة إلى بعض النّقوش الأثريّة على بعض صخورها.

منذ مئات السنين عندما استقرَّ أجدادنا في هذه القرية، اعتاد السّكان التعاون لتقديم أفضل الخدمات لقريتهم، وتجلى ذلك بدايةً بتعاونهم المشترك لحفر ينابيع المياه العذبة وجعل الأراضي الحراجية القريبة من منازل سكنهم صالحة للزراعة، فاستصلحوا الأراضي وقاموا ببناء المدرجات وزراعتها، وفي عام 1951 كان لا بدّ لهم من التعاون والتكاتف لبناء مدرسة القرية، وبالعمل الشعبي والإصرار على النجاح تم البناء، وعند وصول شبكة الطّرق العامّة في الستينات، قام أهالي القرية بشق الطّريق التّرابي ورصفة مسافة 6كم بأبسط الوسائط البدائية متمثلة بالفأس والمعول للوصول إلى الطّريق العام، وأسهموا في مد شبكات الكهرباء بالعمل الجماعي الشعبي أيضاً في الثمانينات، فكانوا من أوائل القرى التي تصل إليها شبكة التوتر العالي في المنطقة، كما قاموا بعدها بإعادة ترميم المدرسة الابتدائية في القرية، وبنوا المبرّات الخيريّة، التي تجاوز عددها 5 مبرّات، حيث لم يقف أي عائق في وجههم لأنَّ روح الجماعة تطغى على كل أعمالهم اليوميّة، والجدير بالذكر، أن هذه القرية تخلو تماماً من الأميّة، ففي عام 2001 أقيمت فيها دورة محو أميّة ضمن برنامج محو الأمية في محافظة "طرطوس"؛ لترتقي هذه القرية الجميلة بشيبها وشبابها

كانت تسمى سابقاً "الكوكعي" وتعني الطَّريق إلى الشّمس حسب ما ورد في بعض المعاجم القديمة، وأيضاً ورد في معجم أسماء ومعاني القرى السوريّة معنى ثانٍ لهذا الاسم، حيث إن كلمة "كوكعي" لفظةٌ آراميّة مؤلفة من مقطعين، الأول "كوك" وتعني دائرة، والثّاني "عي" وهو من أسماء القمر؛ ليصبح المعنى دائرة القمر.

من مناظر القرية الطبيعية

أما جغرافياً، فتقع القرية على جانب وادٍ سيلي ينتهي إلى البحر المتوسط، يسمى نهر "المورد"، تظهرُ فيها آثارُ الانهدامات القديمة في بعض المناطق كاشفةً عن جروفٍ صخريّة يصلُ ارتفاعها إلى 25 متراً، وأنواعٍ مختلفةٍ من الصّخور منها الكلسيةّ والملحيّة والبازلتيّة، وقليلٌ من الصّخور البركانيّة والرّملية، كما تظهرُ فيها علاماتُ الحتِ الكارستي واضحةً بما نتجَ عنها من مغارٍات صغيرة، ومِسلاتٍ صخريّة ودوليناتٍ كلسيّة خاصّةً بالقربِ من مجرى الوادي. أمّا تربتها، فهي منوعةٌ بين الحمراء -وهي الأساسيّة- والبنية والبيضاء، وقليل من البركانيّة السّوداء. أما حديثاً، فتعود نشأتها إلى 400 عام، صنَع أجدادنا فيها من المستحيل ممكناً بتحويلهم سفوحها إلى مدرجاتٍ زراعيّة باحثين ما أمكنهمْ عن مصادر الماء في كل أنحائها، ليكشفَ لهم البحثُ عن مجموعةٍ جميلةٍ من الينابيع القليلة الغزارة، موزعةً في كلّ جهاتها. أما غطاؤها النباتي، فهو غابةٌ متوسطيّة؛ أهمُّ أشجارها السّنديان والبلّوط والقطلب والبطم».

إن هذه القرية الصّغيرة تعدّ من القرى الزراعيّة التي يعمل أهلها على تحقيق الاكتفاء الذاتي في أغلب أنواع المزروعات التي يسمح مناخ القرية بإنتاجها، وبالتواصل مع المهندس الزراعي "حسين حبيب" مدير الوحدة الإرشادية في قرى منطقة "القدموس"، حدثنا عن أبرز الأعمال الزراعية التي تشتهر بها هذه القرية قائلاً: «قرية "جارة الوادي" زراعيّة، تشتهر بزراعة الزّيتون الذي تبلغ مساحة زراعته 1095 دونماً، مزروعة أغلبها بالخضراوي ثنائي الغرض؛ حيث يستخدم لإنتاج الزيت وتخليل حب الزيتون، كما يزرع أهل هذه القرية بعض الأشجار المثمرة الأخرى كالكرمة والجوز للاستهلاك المحلي، أما التبغ، فيأتي بالمرتبة الأولى بين أهم أنواع المحاصيل المزروعة بمساحة تقدر بـ211 دونماً مزروعة بالصنف البلدي "شك البنت"، ويأتي القمح بالمرتبة الثانية بمساحة تقدر بـ215 دونماً معظمها من النوع البلدي الطّري، ويزرع أهالي هذه القرية أيضاً خضراوات صيفية وشتوية، كالسلق والبصل الأخضر واليابس والبندورة الحقلية والثوم، وجميع هذه الخضراوات للاستهلاك المنزلي وتحقيق جزء من الاكتفاء الذاتي الزراعي.

فادي سليمان

بالمقابل، فإن هذه القرية تشتهر بجمال أحراجها التي تبلغ مساحتها 200 دونم، تطغى عليها أشجار السنديان والبلوط والخرنوب والبطم، وبسبب غلاء ثمن وقود التدفئة وعدم توفر الكميات الكافية منه بسبب الحصار الاقتصادي على "سورية"، فقد تعرّضت هذه الحراج إلى التحطيب الجائر وغير المنظم.

كما يوجد في "جارة الوادي" جمعيّة فلاحية تعاونية تقدم العديد من الخدمات للمزارعين، كما تتبع القرية وحدة إرشاد "الدي" التي تقدم لها كل ما يلزم من إرشادات زراعيّة. أما أبرز المشكلات التي تواجه المزارعين في هذه القرية، فهي تتمثل بغلاء أسعار مستلزمات الزراعة من أدوية وأسمدة، وارتفاع أجور اليد العاملة، إضافة إلى تشتت الحيازة الزراعية، وضيق المساحة الزراعيّة، كما يجب الإشارة إلى أن القرية فقيرة بالموارد المائية؛ الأمر الذي جعل الزّراعة بعلية، وكمية الإنتاج تتوقف على كمية الأمطار في فصل الشتاء، إضافة إلى صعوبة شق الطرق الزراعيّة بسبب الطّبيعة الجبليّة القاسية».

محمد حامد حسن

يشتهر أهالي هذه القرية كباقي قرى الرّيف السّوري بالطّيبة والأخلاق الحميدة، ولعلَّ أبرزَ سماتهم التعاون فيما بينهم بما يخدم مصالح الجميع، وخيرُ دليلٍ على ذلك ما دأب أبناء هذه القرية عليه منذ خمسينات القرن الماضي وحتى هذا اليوم، وحدثنا عن ذلك عضو المكتب البلدي وأحد مؤسسي الجمعية الخيريّة في قرية "جارة الوادي" "محمد حامد حسن"، فقال: «منذ مئات السنين عندما استقرَّ أجدادنا في هذه القرية، اعتاد السّكان التعاون لتقديم أفضل الخدمات لقريتهم، وتجلى ذلك بدايةً بتعاونهم المشترك لحفر ينابيع المياه العذبة وجعل الأراضي الحراجية القريبة من منازل سكنهم صالحة للزراعة، فاستصلحوا الأراضي وقاموا ببناء المدرجات وزراعتها، وفي عام 1951 كان لا بدّ لهم من التعاون والتكاتف لبناء مدرسة القرية، وبالعمل الشعبي والإصرار على النجاح تم البناء، وعند وصول شبكة الطّرق العامّة في الستينات، قام أهالي القرية بشق الطّريق التّرابي ورصفة مسافة 6كم بأبسط الوسائط البدائية متمثلة بالفأس والمعول للوصول إلى الطّريق العام، وأسهموا في مد شبكات الكهرباء بالعمل الجماعي الشعبي أيضاً في الثمانينات، فكانوا من أوائل القرى التي تصل إليها شبكة التوتر العالي في المنطقة، كما قاموا بعدها بإعادة ترميم المدرسة الابتدائية في القرية، وبنوا المبرّات الخيريّة، التي تجاوز عددها 5 مبرّات، حيث لم يقف أي عائق في وجههم لأنَّ روح الجماعة تطغى على كل أعمالهم اليوميّة، والجدير بالذكر، أن هذه القرية تخلو تماماً من الأميّة، ففي عام 2001 أقيمت فيها دورة محو أميّة ضمن برنامج محو الأمية في محافظة "طرطوس"؛ لترتقي هذه القرية الجميلة بشيبها وشبابها».