يعود نسب قرية "الجريصية" إلى الجدّ "محمود فياض"، ويرجع تاريخها إلى 300 عام خلت، حيث تميزت بتربة زراعية غنية، ومساحات حقلية شاسعة، فأنتجت مواسم زراعية أغنت العاملين بها، ولم يعرف تاريخها خلافاً بين أسرتين.

يقال إن تسمية قرية "الجريصية" تعود إلى جرس كنيسة ضاع فيها، وهي قرية خيرة غنية بمنتجاتها الزراعية، بحسب حديث المعمر "محمد فياض" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 26 كانون الأول 2017، وأضاف عن سبب التسمية: «يقال إن أول استيطان بشري فيها كان للأخوة المسيحيين، حيث كان فيها كنيسة يؤمها الجميع من مختلف المناطق، وفي مرحلة ما اختفت وضاع جرسها في أراضيها، ويقال إنه موجود على عمق أربعة أمتار في إحدى تلك الأراضي. وفي رواية أخرى يقال إن في القرية وبالقرب من مقام الشيخ "أحمد الجريصية" كان هناك مصنع لأجراس الكنائس».

الإقبال على التعليم كبير جداً، ولا يوجد لدينا متسربون من أي مرحلة تعليمية؛ وهذا ساهم في دخل مالي أساسي لأبناء القرية من ناحية التوظيف

المعمّر "جابر قاسم" قال: «كان لجدنا الأول ولدان فقط؛ الأول "فياض"، وقد رزق بأبناء، والثاني "قاسم" لم يرزق بأبناء، فمنح "فياض" أحد أبنائه لأخيه "قاسم"، وسجل على اسمه كفرد من عائلته؛ وهو ما أدى إلى قربة قوية ومتينة، وهذا الحدث يعود إلى ما يزيد على 300 عام، وبعدها دخلت إلى القرية عائلة "آل ديبة"، واستقرت فيها لتصبح جزءاً من نسيجها الاجتماعي».

المعمر جابر قاسم

القرية تتربع ضمن وادٍ بين عدة جبال، وتمتد على سفح أحدها، وبحسب حديث "محسن قاسم" من أهالي القرية، يحدها من الجهة الشمالية قرية "الزوبة"، ومن الجهة الجنوبية "سهم البحر"، ومن الجهة الغربية قرية "البيضة"، ومن الجهة الشرقية قريتا "الخريبة"، و"المورد"، ويتابع: «جميع الخدمات متوفرة باستثناء الصرف الصحي نتيجة الطبيعة الجغرافية الصعبة، وأغلب العائلات تعتمد الجور الفنية المنزلية، والحل بصرف صحي رسمي عند توفر الاعتماد المالي المطلوب، إضافة إلى عدم وجود طرق زراعية تخدم الحقول البعيدة، علماً أن جميع الأهالي مستعدون للتعاون والتبرع بأراضٍ تسهل عملية شق الطرق الزراعية. وهناك طريق أساسي وحيد يخترقها من قرية "الزوبة" في الجهة الشمالية وصولاً إلى قرية "البيضة" في الجهة الجنوبية، وهذا الطريق صعب، ولا تتوفر عليه سيارات النقل العامة».

المعمّر "محمد فياض" قال: «يبلغ عدد السكان 500 نسمة، وجميعهم يعتمدون العمل الزراعي في معيشتهم الأساسية إلى جانب بعض الوظائف الحكومية، وهذا أدى إلى زراعة متميزة حققت عائدات كبيرة للأهالي، وخاصة الزيتون واللوز الذي يثمر مرتين في العام نتيجة الطبيعة المناخية وخصوبة التربة. وقد دخلت حديثاً زراعة البيوت المحمية إليها، وكان إنتاجها رديفاً لبقية المنتجات الزراعية المنزلية ومنها الخضار.

محسن قاسم

تتعرض القرية لرياح من مختلف الاتجاهات الشمالية والشرقية والبحرية، ومنها ما ساهم في عملية تلقيح أزهار اللوز باكراً أو ما يعرف بالإنتاج التشريني، وهي الرياح الشرقية؛ وهو ما أدى إلى إنتاج غير مسبوق لثمار اللوز عرفت به القرية على مستوى القرى المحيطة بها».

المعمّرة "نايلى كلتوم" قالت عن الحالة التراثية: «في كل منزل تقريباً طاحونة قمح "رحى" يدوية تستخدم لإنتاج البرغل بأنواعه المختلفة، وكذلك بالنسبة لمخلل الزيتون الذي يصنع يدوياً بواسطة أدوات تراثية؛ وهي المدقة الخشبية أو الحجرية، ونعتمد على صناعة المؤن الشتوية من المواد الزراعية المنتجة محلياً كـ"المخلوطة" والعدس والحمّص والفول، ومن ينتج صنفاً واحداً منها يبيع الفائض لأهالي القرية ليشتري ما يحتاج إليه لإتمام المؤونة».

قرية الجريصية وفق غوغل إيرث

وعن الناحية التعليمية قالت مديرة مدرسة القرية "ناديا قاسم": «الإقبال على التعليم كبير جداً، ولا يوجد لدينا متسربون من أي مرحلة تعليمية؛ وهذا ساهم في دخل مالي أساسي لأبناء القرية من ناحية التوظيف».

المعمّرة "فاطمة كلتوم" قالت عن ينابيع القرية: «كان في القرية نبعان؛ الأول نبع "عين الدوار"، وهو ما يزال موجوداً، والثاني نبع "الجريصية"، وقد أزيل لشق طريق مهم للقرية، ويعدّ هذا النبع من أقدم المعالم الأثرية في القرية، وكان في بدايته قنطرة حجرية مبنية بطريقة العقد تزينها إشارة الصليب.

وقد استخدم النبع للغسل والاستحمام، وجميع نساء القرية استحممن على النبع في ليلة عرسهن؛ وهذا جعل له خصوصية في الاستخدام، فلا يجوز أن يقترب الرجال منه في تلك الليلة حتى انتهاء مراسم استحمام العروس، حيث تحضر مستلزمات الاستحمام من المنازل، وتنقل على ظهر المواشي إلى النبع».

وتتابع: «على الرغم من وعورة الأراضي الزراعية، إلا أنها شاسعة، وكانت تتبع للإقطاع في قرية "البيضة"، حيث نشب خلاف بين الإقطاعيين فيها، وقرروا بيع أراضيهم للمزارعين العاملين بها، ولم يبقَ فرد من قريتنا إلا واشترى أرضه وتابع العمل فيها.

وكانت ربة المنزل تنقل الحطب مسافة تزيد على عشرة كيلومترات وصولاً إلى المنزل، وخلال هذه العملية تجمع من النباتات العشبية الغذائية ما لذّ وطاب، وكان هذا مقياس جدارة الأنثى بتحمل أعباء الأسرة من الناحية الغذائية».