كثيرة هي المقومات التي جعلت من جبل "زغرين" موقعاً متميزاً ليس فقط من ناحية تنوع مناخه وجمال إطلالته، بل كان لموقعه وطبيعة تضاريسه أهمية تاريخية وعسكرية استمدّ تسميته منها.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 5 حزيران 2017، رئيس شعبة التنقيب في دائرة آثار "طرطوس" "بسام وطفة" ليتحدث لنا عن سبب التسمية، وتاريخ الجبل الموغل في القدم، فقال: «"زغرين" اسم سرياني يعني الممانعين الصامدين الصادّين والمتحصنين، وهو أيضاً أرض الأباة. ويضم هذا الجبل في أعلى قمته ضريح الأمير "محمد الجيشي"، وتوجد عليه من الجهة الجنوبية الشرقية مزرعة "بيت النبع" الموجودة بالقرب من عين ماء قديمة جداً، وأيضاً عليه ومن الجهة نفسها حجارة أثرية وبقايا أساسات أبنية قديمة، إضافة إلى وجود جرنين حجريين منحوتين من الصخر الصلب. وعلى بعد مسافة تقارب مئة متر من الجرنين باتجاه الشرق وضمن الجرف الصخري توجد معصرة زيتون قديمة تعود إلى الفترة البيزنطية، وهي منحوتة في الصخر الطبيعي، ولها بوابة عريضة أخذت شكل نصف دائرة من الأعلى محاطة بإطار منحوت بشكل نافر، وعلى يمين ويسار البوابة أفاريز منحوتة بشكل صليب غائر تشكل قفل تثبيت حجر البوابة، كما تحوي غرفة مستطيلة تقارب أبعادها 2.5×3 متر. وقد لوحظ وجود حجر بازلتي منحوت خاص بالتثبيت يسمى "الشقر والنقر" كان يستخدم في تثبيت طرف حبل الشعر أثناء غزله، كما أفدنا عن وجود مغارة طبيعية في المنطقة نفسها تحوي صواعد ونوازل.

يقع على طريق (القدموس - مصياف)، حيث يبعد عن مدينة "القدموس" 3كم عند التقاء طريق (القدموس - مصياف) مع طريق (القدموس - الشيخ بدر) ضمن أراضي قرية "كاف الجاع"، ويمتد بين مزرعتي "بيت النبع" و"عين حسان" مشرفاً على قريتي "التناخة" و"السعدانة" الواقعتين إلى الغرب منه، ويبلغ ارتفاعه نحو ألف ومئة وعشرين متراً عن سطح البحر

وقد كانت هذه المنطقة من الجبل مسكونة خلال الفترتين الرومانية والبيزنطية، وقد كانت مكاناً لتصنيع السهام؛ وهذا يدل على أن لهذا الجبل أهمية عسكرية واضحة لدى مختلف الحضارات التي تعاقبت على المنطقة».

طريق زراعي يصل إلى القمة

وعن الأهمية العسكرية للجبل في نهاية فترة الاحتلال العثماني وبداية الاستعمار الفرنسي للمنطقة، قال المعمر "شفيق سليم حسن"؛ وهو أحد أبناء المجاهد "سليم عيسى حسن": «عبر السنين شكل جبل "زغرين" حصناً طبيعياً لما يتميز به من وعورة وارتفاع وانحدارات شديدة، حيث كان يصعب الوصول إليه لغير أبناء المنطقة؛ وهذا ما جعله من أهم معاقل ثورة الشيخ "صالح العلي" ضد العثمانيين أولاً، ثم ضد المستعمر الفرنسي منذ بداية القرن العشرين، وكثيراً ما كانوا يتخذون منه مكاناً للحراسة والكمائن وتبادل الإشارات مع بقية مناطق الثورة آنذاك؛ لكونه يشرف على مساحات شاسعة، وما يميزه أيضاً وجود الحجارة البركانية السوداء، إضافة إلى العديد من التجاويف الصخرية التي تعرف لدى أبناء المنطقة باسم "الجوق"، فكانت أهم عوامل الحماية حتى من عوامل الطقس القاسية».

ويضيف: «لقد مثّل هذا الجبل علامة فارقة؛ حيث أمّن الحماية والسيطرة على الممر الجبلي الطبيعي الوحيد الذي يصل مدينة "بانياس" بمدينة "حماة" عن طريق "مصياف"، ومن أعلى القمة يمكن مشاهدة أجزاء من محافظات "اللاذقية" و"طرطوس" و"حمص" و"حماة"، وفي الليالي الصافية تشاهد أضواء مدينة "طرابلس" اللبنانية. ومنذ مدة تم شق طريق زراعي يصل إلى القمة؛ وهو ما دفع الكثيرين من محبي الإطلالات الجبلية والاستمتاع بالمناخ المميز إلى القدوم المتكرر بعد أن كان ذلك حصراً على أبناء المنطقة الملمين بدروبها الجبلية الوعرة».

إطلالة على جبال لبنان

ويمتلك هذا الجبل كل مقومات التميز الجغرافي الطبيعي، عن هذا يقول المهتم بالبحوث الجغرافية ومدرّس الجغرافية "سامي حسن": «يقع على طريق (القدموس - مصياف)، حيث يبعد عن مدينة "القدموس" 3كم عند التقاء طريق (القدموس - مصياف) مع طريق (القدموس - الشيخ بدر) ضمن أراضي قرية "كاف الجاع"، ويمتد بين مزرعتي "بيت النبع" و"عين حسان" مشرفاً على قريتي "التناخة" و"السعدانة" الواقعتين إلى الغرب منه، ويبلغ ارتفاعه نحو ألف ومئة وعشرين متراً عن سطح البحر».

ويتابع: «يتميز "زغرين" بتنوع تضاريسه، حيث يمكننا التمييز بين جزء التوائي بصخوره الرسوبية المتنوعة التي تشكلت خلال الحقب الجيولوجي الثالث، وبين الجزء البركاني؛ وهو الأكثر ارتفاعاً والأحدث، وقد تشكل في الحقب الرابع، ويعرف لدى الأهالي باسم "الضهر"، وفيه كتل بازلتية سوداء ضخمة في منطقة هي إحدى مداخن المخروط البركاني في فترة ثورانه، وهذا التنوع التضريسي أعطاه مزيجاً مذهلاً من حيث تنوع التربة والغطاء النباتي؛ ففيه أنواع عديدة من السراخس وبقايا غابة بلوط وسنديان وأنواع كثيرة من النباتات الحراجية، مثل: الرياحين، والبطم، والأعشاب الحولية ذات الفائدة الطبية، كالزوفا، والزعتر الموجود بكثرة في هذه المنطقة».

زغرين عبر غوغل إيرث