هضبتان متقاربتان تشرفان على البحر، سكنهما شخصان من عائلتين مختلفتين، وأسّسا قرية "الفيحاء" ليناهز قوامها 1400 نسمة، فعمل معظمهم بزراعة البندورة القصبية، وطوروها إلى المحمية، ونالوا التحصيل العلمي بأرفع مستوياته.

الأصول الواحدة لأهالي قرية "الفيحاء" كانت السمة التي دفعتهم ليكونوا يداً واحدة في مختلف أعمالهم، بحسب حديث مختار القرية "جرجس برهوم" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 نيسان 2017، وأضاف: «بحسب المعلومات المتناقلة بالتواتر، أصول القرية تعود إلى جدّين؛ أحدهما من "آل كباس"، والثاني من "آل عويجان"، وكانا يقيمان في أعلى هضبتين، الأولى تسمى "ضهر الحرف"، وهي في الجهة الجنوبية الغربية، والثانية تسمى "التلة" في الجهة الشرقية؛ هاتان الهضبتان شكّلتا القرية وطالهما التوسع العمراني لتبدو على ما هي عليه حالياً من انتشار وجمال في النظام البنائي، حيث اعتمد الأهالي نظام البناء الشاقولي، وليس الأفقي للمحافظة على الحيازات الزراعية. عمر القرية نحو 300 عام، وقد تزيد قليلاً».

الكنيسة قديمة جداً، وقد بنيت للمرة الأولى عام 1906، وأعيد بناؤها مرة أخرى منذ عدة سنوات

ويتابع "برهوم": «سميت القرية سابقاً بـ"مزرعة الأفندي"، لتبعية ملكيتها لـ"آل عرنوق" الذين كانوا أفندية المنطقة، وبعد قانون الإصلاح الزراعي ومنح الأراضي للعاملين بها، تملك الأهالي الحيازات الزراعية، وتغير اسم المزرعة إلى قرية "الفيحاء"، حيث يبلغ عدد السكان حالياً نحو 1100 نسمة ويقيمون فيها، علماً أن لدينا جاليات اغتراب في عدة مدن عالمية، منها: "سويسرا"، و"لبنان"، و"فنزويلا"، و"أميركا"، وهم في تواصل دائم مع أهاليهم معنوياً ومادياً؛ وهو ما ساهم بتطور القرية سريعاً».

جرجس جبارة

وعن الحالة الاجتماعية المنبثقة من الأصول الواحدة، قال: «تميزت قريتنا عن باقي القرى القريبة بتعاون سكانها فيما بينهم بمختلف الأعمال، وفق طقوس تراثية متوارثة احترمها الجميع، وهذا الطقس مستمر حتى الآن، لكنه اقتصر على العائلة فيما بينها نتيجة ظروف الحياة».

ومن أبرز العائلات الموجودة فيها؛ وفق حديث المختار "آل فارس"، و"آل عويجان"، و"آل جبارة"، و"آل كباس"، و"آل حنا"، و"آل حبيب"، و"آل يوسف".

المختار جرجس برهوم

المدرّسة المتقاعدة "سعاد حبيب" من سكان القرية، تحدثت عن بعض الطقوس التراثية، فقالت: «جميع أعراس القرية كانت تقام في ساحة الكنيسة أو ساحة القرية، ويجتمع الكبير مع الصغير على أنغام الزمر وقرع الطبل، لكن هذا الطقس تطور إلى ساحات وباحات المطاعم والصالات المتخصصة بالمناسبات، وذلك توفيراً للجهد الذي كان يبذل في التحضيرات؛ وهو ما أفقد هذه المناسبات شيئاً من روحها الجميلة».

وتضيف: «في الأعياد والمناسبات نصنع حلويات تراثية، منها: "القراص بحليب، والمعمول، والبيض الملون، والكبة"، كما درجت سابقاً عادة إحضار الطبل في عيد "الفصح" ليحيي الأجواء على مدار ثلاثة أيام، فيجتمع الأهالي في ساحة الكنيسة برفقة أهالي القرى المجاورة، لأنه طقس تفردنا به عن باقي القرى، والجميع ينتظرونه لعقد حلقات الدبكة والسهر».

قرية الفيحاء ضمن الدائرة الصفراء وفق غوغل إيرث

الموظف "جرجس جبارة" عضو مجلس رعية كنيسة القرية، قال: «تتبع القرية إدارياً إلى ناحية "الروضة" منطقة "بانياس"، وتقع على مرتفع ما بين 150-200 متر عن سطح البحر، وهي قرية تراثية غارقة في القدم، عمل سكانها في السابق بزراعة البندورة القصبية؛ لغنى تربتها بالعناصر الجيدة للزراعة، وطوروها إلى زراعة البيوت المحمية التي يبلغ عددها نحو 1350 بيتاً، إلى جانب زراعة الزيتون، وكذلك أدخلوا زراعة الفطر والأزهار بتجارب بسيطة فردية حتى الآن».

أما الحدود الجغرافية، فقال عنها: «يحدّ القرية من الجهة الشرقية نهر "مرقية"، ومن الجهة الشمالية قرية "الروضة"، ومن الجهة الجنوبية "ضهر مرقية"، أما من الجهة الغربية، فيواجهها البحر المتوسط».

وفيما يخص الخدمات، قال "جرجس": «جميع الخدمات متوفرة لدينا، باستثناء حاجتنا إلى خزان مياه كبير يعوّض النقص، فلدينا شبكة طرق تحيط بالقرية تم تحديثها منذ عدة سنوات، لكن ينقصنا تنفيذ الكورنيش الشرقي أيضاً».

وعن كنيسة القرية، قال: «الكنيسة قديمة جداً، وقد بنيت للمرة الأولى عام 1906، وأعيد بناؤها مرة أخرى منذ عدة سنوات».

للقرية لهجتها التي تميزها عن باقي القرى، وهنا قال "جرجس": «لهجة أبناء القرية تتميز عن لهجة أبناء القرى المحيطة؛ فلديهم مفرداتهم التراثية التي حافظوا عليها، ومنها: "حي حي"، وتعني الاندهاش والتعجب».

وعن التحصيل العلمي، قال: «نسبة التعليم لدينا مرتفعة جداً، فلا تكاد تنتهي سنة دراسية إلا ولدينا أكثر من متفوق على مستوى المنطقة؛ وهذا يعود إلى الاهتمام بالتعليم منذ القدم عبر أول مدرّس في المنطقة؛ وهو "سليمان جرجس الياس"، الذي درّس في منزله جميع أبناء القرية، ودرس معهم حتى حصل على أول شهادة حقوق في القرية».