تتميّز قرية "الزعفرانة" بتوضعها بين "طرطوس" و"حمص"، والمساحات الواسعة المزروعة بأشجار الزيتون، وتتصف بسكونها وهدوئها؛ فهي بعيدة عن الضجيج والتلوث، مزارها "مار يوحنا" شفيع لها، وسكانها أربع عائلات يمثلون الحياة فيها، كأنهم عائلة واحدة.

مدونة وطن "eSyria" زارت قرية "الزعفرانة" بتاريخ 1 آذار 2017، لتلتقي مختارها "طعمة بشور"، ليتحدث عن حدودها وسكانها بالقول: «تقع "الزعفرانة" عند نهاية الحدود الطبيعية لمحافظة "طرطوس" من الجنوب، وتعدّ قرية حدودية مع محافظة "حمص"، حيث تبعد عن مدينة "طرطوس" نحو 40كم، وعن مدينة "حمص" نحو 60كم. تحيطها عدة قرى، وهي: قرية "حبنمرة" التابعة لمحافظة "حمص"، وقرى "عين الريحانة"، و"قلعة النمرة"، و"جديدة" التابعة لمحافظة "طرطرس"، وترتفع 800 متر عن سطح البحر.

عندما أغادر القرية وأعود إليها أشعر بأن كل الشوارع والبيوت هي منزلي؛ وهذا نتيجة طبيعية لعلاقات الناس هنا؛ فهم قلب واحد. أنتظر دائماً قدوم تذكار القديس "يوحنا المعمدان" الذي هو اسم مزار القرية "مار يوحنا"، لأنني أشاهد المزار مملوءاً بالناس من أهالي القرى المحيطة يزورونه ويتباركون به

سكنت قبل 200 عام، وكان يطلق عليها "بيت المكاري" نسبة إلى أحد الأشخاص المعروف بالمنطقة أنه كان يعمل بنقل الحجر. أما اسم "الزعفرانة"، فهو يعود إلى نبات "الزعفران" الذي ينمو في المنطقة. تنعم القرية بهدوئها ونقاء هوائها وحفاظها على الطابع القروي الأصيل، حيث يبلغ عدد سكانها أربعمئة نسمة، وهم من أربع عائلات: "غميض، بشور، إبراهيم، وإلياس"، وتتميز بعلاقات صلة وقرابة حميمية، ولديهم أعراف وتقاليد خاصة بهم في كل المناسبات والحالات الاجتماعية، ففي عيد "الفصح" يجتمع كل أهالي القرية في مزار "مار يوحنا"، يحضرون الحلويات من منازلهم لتوزيعها على الأهالي، ويعدّ هذا اللقاء نقطة انطلاقة للزيارات والتجوال بين منازل الجميع».

مختار قرية الزعفرانة

وعن الميزات التي يتمتع بها أهالي القرية وعملهم، أضاف: «بالنسبة للعلاقات بين الأهالي، فهم يتميزون بأنهم جميعاً أقرباء وأنسباء، فأهالي "الزعفرانة" يتزوجون من بعضهم، ويصاهرون بعضهم، وهكذا أصبح الجميع أقرباء، وحين تحدث أي حالة تستدعي التعاون تجد أن الجميع يسرعون لتلبيتها، وعندما تقام أي مناسبة احتفالية ترى الجميع يشاركون بها، وهذا ما يجعلهم أسرة واحدة. ويعمل الناس بالزراعة، حيث يعتمدون على الزيتون، والقليل من الحمضيات، وهناك بعض الأشخاص الذين يعملون بالبناء».

أما المورد الأساسي للقرية، فهو أشجار الزيتون، حيث يضيف: «تعدّ شجرة الزيتون هي الاعتماد الأول بالنسبة للأهالي، ففي موسم قطاف الزيتون ترى جميع أفراد القرية باختلاف مهنهم وأعمالهم يتلاقون في الأراضي الزراعية من أجل القطاف، وبعده العصر. وبالنسبة لعدد الأشجار، فهي مليون شجرة زيتون مثمرة موزعة على أراضي القرية الجبلية التي تتصف بغزارة أمطارها، وهي ذات تربة جيدة وموطن مناسب لأشجار الزيتون».

كنيسة الزعفرانة

ويتابع "بشور" حول تاريخ بناء مزار "مار يوحنا" الموجود في القرية، ويقول: «يوجد في "الزعفرانة" مزار روحي قديم هو عبارة عن كنيسة قديمة، ونحن لا نعرف تماماً متى بني المزار بدقة، لكن ما قاله أجددنا إنها كنيسة قديمة، وكان فيها رهبان. يوجد في المزار هيكل من الحجر القديم وبعض الأيقونات، ويتميز بثلاثة أمور: أولها أن المزار يحتوي ساقية ماء جافة حالياً، لكن التقليد المتوارث في القرية يقول إن هناك امرأة مرت مع ابنها من هذا المكان وكانت عطشى جداً، وحين اتكأت هنا ظهرت نبعة ماء من بين الصخور وروت عطشها وابنها. والميزة الثانية هي أن للمزار حضوراً ورهبة كبيرة بين أبناء القرية، فالجميع يؤمن بأنه يشفي الأمراض، ومنها ما هو موثق بين الناس ومعروف جيداً. أما الأمر الثالث، فهو شجرة السنديان الموجودة في المزار، ويبلغ عمرها نحو مئة وخمسين عاماً، لكن الغريب هو أن كل أغصانها تلتف حوالي الهيكل، ولا يوجد أي غصن دخل إليه».

الشاعر وكاتب الأغنية "طوني غميض" من أبناء القرية، يقول: «أضافت إليّ قريتي أهم شيء في حياتي، وهو قدرتي على كتابة الشعر؛ من هذا الهدوء ومن هذه السكينة استطعت أن أكتب عدة خواطر وأشعار. حين تجلس في أراضي القرية بين بساتينها وأشجارها لا تسمع سوى الصمت المطلق باستثناء تغريدة عصفور أو صياح ديك، حينئذ يجول في خاطرك آلاف الأفكار والصور التي تساعد على لفظ وتأليف الأشعار وكتابة الخواطر».

صورة للقرية من غوغل ايرس

المحامي "جان غميض"، أضاف: «عندما أغادر القرية وأعود إليها أشعر بأن كل الشوارع والبيوت هي منزلي؛ وهذا نتيجة طبيعية لعلاقات الناس هنا؛ فهم قلب واحد. أنتظر دائماً قدوم تذكار القديس "يوحنا المعمدان" الذي هو اسم مزار القرية "مار يوحنا"، لأنني أشاهد المزار مملوءاً بالناس من أهالي القرى المحيطة يزورونه ويتباركون به».