وجودها على الخط الفاصل بين المنطقة الساحلية والمنطقة الجبلية، وغناها بالمياه الجوفية والسطحية، أضافا إليها تنوعاً لا مثيل له في الساحل السوري من حيث نوعية إنتاجها من المحاصيل الزراعية، وهذه المصادر الغنية جعلت من قرية "وادي السقي" وأعمال ساكنيها ظاهرة فريدة.

مدونة وطن "eSyria" قامت بتاريخ 30 كانون الثاني 2017، بجولة في قرية "وادي السقي"، والتقت مختار القرية "فهد عباس سليمان"، ليحدثنا عن موقعها وحدودها، وسبب تسميتها، حيث قال: «تقع قرية "وادي السقي" في الجهة الجنوبية الغربية لمدينة "القدموس"، وهي تابعة لها إدارياً، وتبعد عنها ما يقارب الأحد عشر كيلو متراً، وترتفع عن سطح البحر أربعمئة وخمسين متراً. تحيط بها مجموعة من القرى، كقريتي "كرم التين" و"بيت المرج" من جهة الشرق، وقريتي "العلية" و"السميحيقة" من الشمال، ومن جهة الجنوب قرية "خربة القبو"، أما من الغرب، فتحدّها قرية "تعنيتا".

تمت الاستفادة من جريان النهر الدائم؛ فقام الأهالي بتركيب مضخات حديثة ومتطورة لاستجرار المياه؛ وهو ما ساهم بنمو الزراعة، وانعكس إيجاباً على انتشار الزراعات المروية والمحمية في البيوت البلاستيكية التي تنتشر انتشاراً واسعاً ومميزاً في القرية، أيضاً استخدام أساليب ووسائل أخرى كالري بالتنقيط والرذاذ. ويوجد ضمن أراضي القرية خمسة ينابيع يستخدم اثنان منها للشرب، أما الباقية، فتستخدم لري المحاصيل الزراعية، أيضاً يوجد اثنتا عشرة بئراً ارتوازية تستعمل للشرب وري المزروعات معاً

أما عدد سكانها، فيبلغ نحو ألف ومئتي نسمة، يعمل معظمهم بالزراعة إلى جانب متابعة التحصيل العلمي. وفي فترة الاحتلال الفرنسي كانت القرية مقسمة إدارياً إلى ثلاثة أقسام، وهذا فرض واقع التجزئة على أبناء القرية الواحدة، لكن بعد الاستقلال ومطالبة الأهالي تم توحيدها تحت اسم "وادي السقي". وقد فرضت الطبيعة هذا الاسم على القرية لكونها غنية بمختلف مصادر المياه، وهي ظاهرة تعدّ مميزة عما يجاورها من قرى».

جزء من الجروف المحيطة بالقرية

ويتابع مختار القرية الحديث عن أهم مقومات الحياة المتوفرة فيها، فيقول: «توجد في قريتنا مدرسة تعليم أساسي حلقة أولى وثانية، أما المرحلة الثانوية، فتتم دراستها في ثانوية قرية "الصليّب" المجاورة. وعن باقي الخدمات؛ فهي مزودة بشبكة لمياه الشرب وشبكة صرف صحي وشبكة كهرباء، إضافة إلى خدمات الاتصالات من هاتف آلي وإنترنت، وفيها أيضاً طريق رئيس ومجموعة من الطرق الزراعية، لكنها تحتاج إلى المزيد من العناية بالأخص الطريق المؤدي إلى النهر لأن الاهتمام به وتعبيده سيلعب دوراً بإقامة المشاريع السياحية إلى جانب نهر القرية؛ لما تحمله المنطقة من مقومات سياحية طبيعية متفردة».

لقرية "وادي السقي" مقومات زراعية عدّة فرضتها طبيعة الموقع المنخفض عما يجاورها من قرى، عن التميز في الموقع والمناخ، يقول مدرّس الجغرافية والمهتم بالبحوث الجغرافية "سامي علي حسن": «تقع القرية ضمن حوض انهدامي صغير تحيط به مجموعة من الجروف الصخرية المرتفعة والشديدة الانحدار، حيث تشكل جدراناً حقيقية وعامل حماية مهمّ من الرياح الشرقية والشمالية الشرقية الشديدة البرودة والمسببة لموجات الصقيع، أيضاً وجودها في هذا الحوض الانهدامي جعلها غنية بالمياه الجوفية والسطحية بدليل وجود عدد كبير من الينابيع والآبار الارتوازية داخل القرية، ونهر دائم الجريان في الجهة الجنوبية منها يمتد من نبع "عين المالح" في قرية "كرم التين"، وينحدر باتجاه الغرب؛ وهذا ساهم بوصول التيارات الرطبة من المنطقة الساحلية؛ فغزارة واستمرارية جريان النبع ساهما باستمرارية جريان النهر، إضافة إلى تغذيته من عدة ينابيع صغيرة على جانبي الوادي تعرف بينابيع الأودية، فكان لهذا النهر دور كبير في نقل التربة من مناطق المنابع وترسيبها على جانبيه؛ وهو ما ساهم في تكوين تربة فيضية من أخصب أنواع الترب التي تتفرد بها قرية "وادي السقي"، أيضاً دوره الرئيس في توفير مياه الري للأراضي الزراعية طوال أيام السنة، ناهيك عن ميزات المنطقة من ناحية المناخ؛ فوجودها على الخط الفاصل بين المناخ المتوسطي البحري الذي يميز المنطقة الساحلية التي لا يزيد ارتفاعها على أربعمئة متر عن سطح البحر، وبين المناخ المتوسطي الجبلي الذي يزيد ارتفاعه على أربعمئة متر أكسبها صفات المنطقة الساحلية ذات الشتاء المعتدل، والمنطقة الجبلية ذات الشتاء البارد؛ وهذا انعكس انعكاساً إيجابياً وكبيراً على تنوع زراعات القرية».

بعض المحاصيل

إنّ التنوع المناخي الذي تتميز به قرية "وادي السقي" إضافة إلى قربها من الطبقات التي تخزن المياه الجوفية، التي أدت إلى كثرة الينابيع والآبار الارتوازية، ووجود النهر الدائم الجريان؛ جميعها عوامل ساهمت بتنوع محاصيلها الزراعية مع وفرة واستقرار في إنتاجها؛ هذا ما قاله الشاب "حيان محي سليمان" خريج المعهد الزراعي وأحد أهالي القرية، وأضاف: «تمت الاستفادة من جريان النهر الدائم؛ فقام الأهالي بتركيب مضخات حديثة ومتطورة لاستجرار المياه؛ وهو ما ساهم بنمو الزراعة، وانعكس إيجاباً على انتشار الزراعات المروية والمحمية في البيوت البلاستيكية التي تنتشر انتشاراً واسعاً ومميزاً في القرية، أيضاً استخدام أساليب ووسائل أخرى كالري بالتنقيط والرذاذ. ويوجد ضمن أراضي القرية خمسة ينابيع يستخدم اثنان منها للشرب، أما الباقية، فتستخدم لري المحاصيل الزراعية، أيضاً يوجد اثنتا عشرة بئراً ارتوازية تستعمل للشرب وري المزروعات معاً».

ويتابع: «تزرع الأراضي عدة مواسم في السنة؛ منها ما هو ربيعي، ومنها شتوي وصيفي، وأخص هنا محصول "البندورة"، حيث يعتمد على زراعتها اعتماداً كبيراً وفي أكثر من موسم، إلى جانب المحاصيل الأخرى من الفاصولياء والباذنجان والملفوف والفول والخيار والقرنبيط وغيرها، كما يعتمد الأهالي على زراعة التبغ كمحصول تجاري رئيس إلى جانب زراعتهم لأشجار الزيتون والرمان كمحاصيل تجارية أيضاً. ومن الأشجار التي تزرع أيضاً الحمضيات التي تحتاج إلى دفء الساحل، والتفاح الذي يحتاج إلى برودة الجبال جنباً إلى جنب وفي البستان نفسه في ظاهرة ليس لها مثيل في أي منطقة بالساحل السوري. وتكثر في القرية الأشجار المثمرة على اختلاف أنواعها من التوت والتين والكرمة واللوز والجوز والمشمش، ومؤخراً تم استقدام أنواع جديدة من الأشجار الاستوائية، مثل: "القشطة والمانجو والأفوكادو" وغيرها، لكن المشروع مازال في البداية وقيد التجربة حالياً».

من الزراعات المحمية