بجانب نبع أثري ضمن الحدود الفاصلة بين محافظتين، وفي مناخ بارد جداً سكن الجد الأول وتفيأ تحت شجرة الزعرور المنتصبة.. فسمي المكان الذي يقع على رقعة جغرافية مهمة مناخياً وسكنياً.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 31 تموز 2014، الدكتور "علي حمدان" من أهالي وسكان قرية "عين القضيب"، ويقول: «قرية متميزة بموقعها الجغرافي وبطبيعة حياة سكانها وتكيفهم مع الطبيعة القاسية، تتبع إدارياً لمنطقة "القدموس" بلدية "الحاطرية"، وتبعد عنها نحو أربعة عشر كيلومتراً شرقاً، كما تبعد عن مدينة "مصياف" التابعة لمحافظة "حماة" نحو اثني عشر كيلومتراً، أي إن القرية تتربع على رقعة جغرافية مرتفعة نحو 1108 أمتار عن سطح البحر، تسمى شعبياً بـ"الشعرة" (أي على قمة الجبل)، وهي ضمن الحدود الإدارية الفاصلة بين محافظتي "طرطوس" و"حماة"، وهذا ما جعل الأمور الخدمية الخاصة بمقومات الحياة مختلطة بين المحافظتين كالهاتف والكهرباء والمواصلات والتبعية الإدارية للبلدية».

عند التحدث عن القرية لا بد من التطرق إلى ارتفاع نسبة المعمرين الذين يعيشون ما يزيد على 100 عام، وهذا بسبب طبيعة المناخ النقية والإنتاج الزراعي المحلي المعتمد بتغذيته على مكونات ونواتج الطبيعة الريفية عامة والتربة خاصة

ويتابع: «تقع القرية تقريباً ضمن موقع متوسط بين منطقة "القدموس" التابعة لمحافظة "طرطوس" ومنطقة "مصياف" التابعة لمحافظة "حماة"، وهو الأمر الذي ساهم بتأمين الخدمات المعيشية في فصل الشتاء عند تساقط الثلوج وإغلاق الطريق من وإلى القرية، وهذه الحالة معروفة منذ زمن بعيد أي حالة انقطاع المواصلات، فالقرية تنعزل عن محيطها لعدة أيام تصل إلى عشرة أيام في كل فصل شتاء بسبب الثلوج الكثيفة، مما يطرنا لاستقبال الخبز بالمظلات المتساقطة من الطائرة، وهو الأمر الذي دفع أهالي وسكان القرية إلى حالة من الاعتماد على الذات والاكتفاء الذاتي بالتجهيز غذائياً لمثل هذه الأيام، فترى الأهالي يمونون المأكولات التي لا تتأثر بالطبيعة المناخية القاسية، والتي لها عمر مديد».

حقول القرية، الزراعة وطبيعتها

وعن تسمية القرية ومعنى هذه التسمية شعبياً ولغوياً يضيف الدكتور "علي": «كمعنى ولغة "عين قضيب" تعني ذات النور أو السيف القاطع، وفي تفصيل الكلمة العين هي الذات والقضيب من قضب، ولها تسعة معانٍ منها انتقال النجم من مكان إلى آخر، والنجم في القرآن الكريم هو الرجل المؤمن، وهنا هو الشيخ أو الجد الأول الذي أسس للاستيطان البشري في هذا الموقع، فأصل القرية ومؤسسها رجل واحد من مدينة "الشيخ بدر" ناحية "برمانة المشايخ" قرية "الديرون"، اسمه الشيخ "سلمان ميا" وهو جد أبناء القرية بالكامل، وانتقل من "الديرون" في "الشيخ بدر" (أي قضب) واستقر بجانب نبع صغير اسمه "عين الزعرورة"، وبجانب هذا النبع توجد شجرة زعرور واحدة وهي عبارة عن فرع واحد فقط مستقيم بشكل لافت للنظر، أو كما يعرف شعبياً غصن بشكل قضيب مستقيم، وركبت التسمية على القرية حين كان يسأل عن هذا الشيخ أين هو؟ يقال إنه بجانب نبع القضيب».

وفي لقاء مع مختار القرية السيد "نورس إبراهيم" تحدث عن حدود القرية ومكوناتها التراثية والأثرية، ويقول: «يحد القرية من الجهة الشمالية بلدية "الحاطرية"، ومن الجهة الشرقية قرية "عين حسان" وقرية "حيالين"، ومن الجهة الغربية قرية "كاف الجاع"، ومن الجهة الجنوبية قرية "الشيحة" التابعة لمدينة "مصياف"، ومن هنا تأتي أهمية الموقع الذي شهد معركة مهمة وعنيفة بين رجال الثورة السورية في الساحل بقيادة الشيخ المجاهد "صالح العلي" والاحتلال الفرنسي، وسميت معركة "عين القضيب"، ويوجد في القرية نبع تراثي صغير محمي بغرفة حجرية مبنية بطريقة العقد الحجري مساحتها نحو تسعة أمتار مربعة، كما يوجد العديد من المواقع الأثرية والتراثية».

الدكتور علي حمدان

وعن الخدمات الحكومية المتوافرة في القرية، يقول المختار: «في القرية مدرسة لتعليم الحلقة الأولى والثانية، وشبكة هاتفية وكهربائية، إلا أن أمور التدفئة بالنسبة لنا مشكلة حقيقية انعكست على الطبيعة الشجرية البرية نتيجة برودة المنطقة في مختلف الفصول، وهذا ما يجب على الحكومة إعادة النظر فيه، فليس من المعقول أن تكون حصة العائلة المقيمة على الشريط الساحلي من مادة مازوت التدفئة مساوية لحصة العائلة المقيمة في أقصى الريف الساحلي، وهذه الطبيعة الباردة حدت من تعدد المحاصيل الزراعية المنتجة في حقول القرية، واقتصرت على زراعة التبغ وبعض الحبوب وتربية المواشي وخاصة منها الماعز الجبلي، حيث تعد هذه التربية حرفة متوارثة منذ أكثر من 200 عام بين أبناء القرية، وهو الأمر الذي منح القرية شهرة وشعبية من حيث صناعة مشتقات الحليب كـ"الشنكليش والسمنة العربية والقريش"، أدركها المسافرون على الطريق الدولي بين الساحل والداخل، ويصل عدد سكان القرية إلى 1000 نسمة متوزعة ما بين المقيمين في القرية وخارجها».

السيد "رامي عمار" من أبناء وسكان القرية تحدث عن طبيعة المنازل والحركة العمرانية في القرية، ويقول: «موقع منزل الدكتور "علي حمدان" ضمن القرية وهو ذاته موقع منزل والده في السابق، كان يسمى شعبياً بين أبناء القرية بـ"بيت النص"؛ حيث كانت المنازل تبنى على يمينه ويساره فقط، وفق نظام البناء الحجري التراثي، أي مبنية من حجر القطع الطبيعي، لتوافر هذه الحجارة في الطبيعة المحيطة بنا خلال عمليات استصلاح الأراضي، ورخص تكلفة البناء بها، وبعض الأشخاص في وقتنا الحالي يبنون المنزل من الخارج بالحجارة الطبيعية ومن الداخل بالحجارة الإسمنتية مع المحافظة على فراغ بين المدماكين، ليكون طبقة عزل».

موقع القرية ضمن الدائرة الصفراء وفق جوجل إيرث

ويتابع: «عند التحدث عن القرية لا بد من التطرق إلى ارتفاع نسبة المعمرين الذين يعيشون ما يزيد على 100 عام، وهذا بسبب طبيعة المناخ النقية والإنتاج الزراعي المحلي المعتمد بتغذيته على مكونات ونواتج الطبيعة الريفية عامة والتربة خاصة».