تحكي أرضها قصة الخصوبة التي منحها نهر الأبرش لتربتها، وعلى نفس الأرض في قرية "بعمرة" قصة لأقدم الحركات الثقافية التي شهدتها "طرطوس" أوائل القرن العشرين.

في حديث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 آذار 2014، يقول الشاعر الأستاذ "عيسى حبيب" وهو من مواليد الربع الأول من القرن الماضي، ومن أقدم شعراء "طرطوس"، ومن أبناء قرية "بعمرة": «أريد العودة إلى الأرضية التي سبقت خمسينيات القرن الماضي التي أسست للإشعاع الثقافي الذي تميزت به قرية "بعمرة"، ففي هذه الفترة كانت تسمى "بعمرة المشايخ" لوجود عدد من المشايخ الأتقياء والعلماء: "إبراهيم مرهج، محمود حسين، السيد مصطفى، السيد إبراهيم"، حيث أوجد هؤلاء أرضية علمية قوية قائمة على التقى والزهد، وصارت القرية مقصد كثيرين من طلاب العلم ومنهم جدي "حبيب"، ومن هنا أسست القاعدة الثقافية في القرية، وأذكر في الأربعينيات أن عدداً من شبان "بعمرة" تطوعوا وأسسوا لنشاط ثقافي يقوم على حوارات ثقافية، والإخراج والتمثيل المسرحي لروايات وأحداث تاريخية معروفة آنذاك، وذلك وسط القرية حيث تم اختيار مكان كمسرح، لايزال مكانه موجوداً لكن دون معالم، وأنت تعلم قيمة المسرح وأثره في الجمهور، وخاصة آنذاك، ومازلت أذكر إحدى تلك المسرحيات التي تحكي قصة النبي "يوسف" عليه السلام في عام 1954.

الآن بات أهل القرية يستخدمون الجرارات الزراعية لحراثة أراضيهم، وانتهى عصر "أبقار الفلاحة" التي كنت أستخدمها، في حين ابتعد الناس عن الزراعة بمعظم أشكالها عدا أشجار "الزيتون" التي اقتلع الكثير منها بسبب قدمها وزرعت مكانها أشجار صغيرة، إضافة إلى القليل من أشجار "اللوزيات، والحمضيات، والتين"

هنا أثر هذا النشاط المسرحي والحماس الثقافي تأثيراً جوهرياً على مجتمع قرية "بعمرة"، بما يتجاوز الزمن الذي كنا نعيشه حينذاك».

وبعد حقبة الستينيات شهد الحراك الثقافي تراجعاً بشكل كبير جداً، واستمر هذا الوضع بالتراجع لغاية التسعينيات، حيث عادت ملامح ذلك الحراك الثقافي استناداً إلى الأساس القوي الذي بني عليه أبناء "بعمرة"، وتمثلت هذه العودة بحراك فني مسرحي، مثل فرقة "السنابل" الفنية المميزة للغاية، كذلك مهرجان "السنابل" الثقافي الفني الذي توقف جزئياً عام 2011 بسبب الأزمة التي تعيشها "سورية"، وقد زار القرية خلال سنوات المهرجان شعراء وأدباء من كافة أنحاء "سورية" وأدباء عرب قدموا إلى "بعمرة" للمشاركة في مهرجانها الأدبي، وذلك بسبب نشاط أدبائها سواء الأستاذ "عيسى حبيب" أو غيره من الأدباء.

وفي حديث آخر يقول الأستاذ "أحمد قاسم" مدرس لمادة التاريخ من مدينة "صافيتا": «قام الشيخ "إبراهيم عبد الرحمن" قبل خمسينيات القرن الماضي بفتح مدرسة لتعليم الطلاب، وجاء حينها بمدرس من "لبنان" أذكر أن اسمه الأستاذ "عيسى"، وكانت من أوائل المدارس في محافظة "طرطوس"، وقبل ذلك كان التعليم في القرية كمعظم قرى الساحل السوري يقوم على حلقات "الكتّاب" ورجال الدين لتعليم القراءة والكتابة، كما تميزت "بعمرة" منذ ذلك الحين بحراك أدبي فني تمثل بمسرح وسط القرية، ومركز ثقافي صغير أقامه الشيخ "إبراهيم عبد الرحيم" من خلال مكتبته الشخصية، ما جعل القرية من أهم مراكز التعليم الديني والعلمي في محافظة "طرطوس".

بعد عام 1995 قامت حركة ثقافية في القرية باسم "نقطة ثقافية" ترعى الأنشطة الأدبية المتنوعة، وكانت تقيم أنشطة أسبوعية، وتعرض شهرياً مسرحيات وحفلات موسيقية لفرقة "السنابل" الموسيقية التي أسست في القرية».

تقول بعض المصادر التاريخية ومنها كتاب الباحث الاجتماعي التاريخي "ياسين عبد الرحيم": إن قرية "بعمرة" سريانية، يعني حرف "الباء" فيها كلمة "بيت"، وهذا الحرف يتكرر في كثير من قرى محافظة "طرطوس" السريانية الأصل، في حين تعني كلمة "العمرة" بيت جز الصوف باللغة السريانية.

المختار السيد "عادل عبد الله حسن"

أثناء زيارتنا لها التقينا مختار قرية "بعمرة" السيد "عادل عبد الله حسن" الذي قال: «يبلغ عدد سكان قرية "بعمرة" نحو "7000ن"، وهي مركز بلدية قديم يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، وتبعد 3كم عن مدينة "صافيتا"، وينقسم امتدادها إلى عدة أقسام بأسماء متعارف عليها محلياً: "الحارة التحتانية، الوسطى، والفوقانية، حي البلدي، مزرعة رويسة الطير".

تحيط بـ"بعمرة" عدة قرى هي: "بيت ناعسة" غرباً، و"بيت دقيق" شمالاً، و"السيسنية" من الجنوب، في حين تحدها قرية "صهيون" شرقاً، ويقدر عمر قريتنا 200عام، حيث أقامها أجدادنا على أنقاض تعود إلى حضارات قديمة أهمها السريانية، وتتركز القرية القديمة في أعلى القرية حيث تتجمع المنازل ذات البناء الكلاسيكي القديم، التي كانت قبل ذلك ترابية، في حين كان أحد منازلها مدرسة صغيرة، أذكر من أساتذتها: "ضياء بشور، سعد بشور، عبد الرحمن عبد اللطيف"، فقرية "بعمرة" رائدة على مستوى محافظة "طرطوس" في العلم والإبداع الأدبي والعلمي والفني، ومنها تخرجت أجيال من المثقفين».

في محيط قرية "بعمرة" تنتشر مزارع الزيتون والحمضيات، حيث يمر نهر "الأبرش" بجوار "بعمرة"، وعن هذا النشاط الزراعي تحدثنا إلى السيد "إبراهيم محمد" فلاح معمر من أهالي القرية، الذي وصف العقود الطويلة التي قضاها في حراسة مزارع قريتي "بعمرة" و"أم حوش المجاورة"، حيث كان الناس يهتمون بالأرض ويزرعون "الحنطة، والشعير، والذرة،.." مستفيدين من خصوبة الأرض وغزارة الأمطار، في حين تغيرت هذه التقاليد الزراعية تدريجياً لتصبح الأراضي بكاملها مغطاة بأشجار الزيتون، علماً أن مساحات كبيرة من الزيتون في أراضي "بعمرة" يتراوح عمرها بين 100 إلى 400 سنة، ويقول معقباً: «الآن بات أهل القرية يستخدمون الجرارات الزراعية لحراثة أراضيهم، وانتهى عصر "أبقار الفلاحة" التي كنت أستخدمها، في حين ابتعد الناس عن الزراعة بمعظم أشكالها عدا أشجار "الزيتون" التي اقتلع الكثير منها بسبب قدمها وزرعت مكانها أشجار صغيرة، إضافة إلى القليل من أشجار "اللوزيات، والحمضيات، والتين"».