على سفح جبل مشمس منخفض عما يحيط به من مرتفعات جبلية، كسته الأشجار المثمرة والحراجية، استوطنت عائلتان منذ ما يقارب 200 عام، وأسستا قرية "جوبة المقدر".

فالقرية الريفية الجبلية "جوبة المقدر" التابعة إلى ناحية "برمانة المشايخ"، قصة وحكاية عن الألفة والمحبة والتعاون بين أبنائها، يحدثنا عنها المدرس "محمود إبراهيم" من أبناء القرية، وهنا قال: «القرية قديمة جداً، وبداياتها كانت من أسرتين فقط أسستا لحاضرها ولمستقبلها القادم، وهما: آل "صطوف"، وآل "إبراهيم"، وكان لكل منهما منزل عربي عبارة عن غرفة واحدة يقطن فيها جميع أفراد العائلة، حيث كانت كل أسرة تقسم منزلها الواحد بأغصان الريحان إلى أقسام عدة؛ تتعدد بتعدد الأفراد المتزوجين فيها، حيث تسكن كل أسرة من أبنائها في الحيز الخاص بها بكل ود ومحبة.

جميع حقول القرية ومنازلها تطالها أشعة الشمس على مدار ساعات النهار، وهذا انعكس على طبيعة إنتاجها الزراعي وخصوبة تربتها ومناخها الصيفي والشتوي الدافئ، وزيادة نسبة المعمرين إلى ما فوق المئة عام في القرية

ومع تطور الحالة الاجتماعية ازداد عدد أفراد العائلتين نحو خمسين شخصاً، فقاموا بزيادة رقعتهم الجغرافية المسكونة، وهذا لم يمنعهم من الاجتماع كل يوم في أحد المنازل كأسرة واحدة؛ يتبادلون الأحاديث ويتسامرون، وهذه حالة أعيها تماماً حتى ثمانينيات القرن الماضي».

الأستاذ أحمد صطوف

وعن أصول وتاريخ عائلتي القرية، قال الأستاذ "محمود": «بحسب الأحاديث المتناقلة عن الأجداد يقال: إن أصول آل "إبراهيم" من قرية في ريف مدينة "بانياس" تسمى "العصيبة"، جاؤوا إلى هنا للعمل والإنتاج، أما آل "صطوف"، فيقال: إنهم من ريف مدينة "جبلة"، ورغم هذا التباعد الجغرافي فقد عاشتا على المحبة والوئام، لا أذكر أن شكوى قضائية حررت بحق أي من أبنائهما ضد الآخر، فالخلافات الأسرية حتى البسيطة منها تكاد تكون معدومة حتى وقتنا الراهن».

ويضيف السيد "محمود" عن حالة الوئام التي عاشها أبناء القرية وانعكاسها على الحالة الاجتماعية المعيشية: «لقد تعاون أبناء القرية على شق الطرق الزراعية وغير الزراعية فيها بمجهودهم الشعبي، حيث كان يخصص لكل فرد من أبنائها عدد من الأمتار يتوجب عليه شقها، حتى ولو كانت ضمن حقله الزراعي، واستمرت هذه الحالة حتى تمام توصيل الطرق إلى مختلف مناطق ومنازل القرية، إضافة إلى أن منازل القرية بنيت بذات المجهود الأهلي والشعبي الجماعي».

إطلالة القرية على سد الصوراني

وفي لقاء مع الشاب "جمال عبد الناصر إبراهيم" من أبناء القرية، تحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 15 كانون الثاني 2014، عن الحدود الجغرافية للقرية، فقال: «قرية "جوبة المقدر" قرية وادعة تقع في ريف محافظة "طرطوس"، تتبع إدارياً إلى ناحية "برمانة المشايخ" في ريف مدينة "الشيخ بدر"، وتبعد نحو اثنين وخمسين كيلومتراً شمال شرق مركز المحافظة، وترتفع نحو 600 متر عن سطح البحر، ويحدها من الجهة الشمالية قرية "الدليبية"، وقرية "عين فطيمة"، ومن الجهة الغربية قرية "الصوراني"، ومن الجهة الشرقية قرية "خربة محاسن"، وقرية "الجماسة"، أما من الجهة الجنوبية، فيحدها "سد الصوراني"، وهي قرية تغفو على سفح جبل تكسوه أشجار الزيتون والصنوبر والتفاحيات، وشجيرات الآس والريحان والغار».

أما المدرس "أحمد صطوف"، فتحدث عن الاستيطان البشري في الموقع الجغرافي للقرية، فقال: «بحسب المعلومات المتناقلة بالتواتر من الأجداد يقدر عمر الاستيطان البشري للقرية بما يقارب 200 عام.

موقع القرية وفق جوجل إيرث

أما بالنسبة إلى التسمية، فالقرية هي موضع "جيومورفولوجي" منخفض بين مرتفعين أو أكثر، ناجم عن الحت الكارستي الذي يتكرر في الكثير من مواقع الجبال الساحلية، حيث نجد عدداً كبيراً من الجوبات في محافظتي: "طرطوس" و"اللاذقية"، و"المقدر" كما يروي الأقدمون: شخص كان يمتلك القرية الصغيرة التي لا تتجاوز 200 دونم، وكان كريماً شجاعاً معطاءً في زمن الاحتلال الفرنسي حيث الفقر والجوع، فكان يقال له الكريم المقدر، وبعد الاستقلال أصبحت القرية جزءاً عقارياً من قرية "الصوراني"، حيث الإقامة الشتوية لقائد الثورة السورية الشيخ المجاهد "صالح العلي"؛ لتعدد عيونها وينابيعها وخصوبة تربتها، ومنها: نبع "الصفا" الذي ينبجس من الصخر، و"عين الجوبة"، و"نبع الفوار" أيضاً.

وبالنسبة إلى الحالة التعليمية لأبناء القرية، فلا بد من ذكر أن كثيرين منهم حاصلون على مستويات علمية مميزة، مثل شهادة دكتوراه في هندسة الطيران، والكثير من الشهادات الجامعية، ويوجد ما ينوف عن خمس عشرة شهادة معهد متوسط، واليوم، كثيرون من أبناء القرية يدرسون في المرحلة الجامعية، علماً أن عدد سكان القرية لا يتجاوز 150 نسمة فقط».

ويضيف الأستاذ "أحمد": «يعمل أغلب سكان القرية في الزراعة ويحصلون على رزقهم، كما هو حال سكان القرى المجاورة الذين ينحتون الجبال بحثاً عن التربة الزراعية، ويستنبتونها قمحاً وزيتوناً وتبغاً، وقد يصل إنتاجها إلى طن من التبغ الجيد، وإلى طن من الزيتون، ويعمل بعضهم الآخر بالوظائف الحكومية.

ويخترق القرية طريق جيد ينتهي في غربها حيث الإطلالة الرائعة على "سد الصوراني"، وغابة صنوبر، والمشتل الزراعي».

إن لطبيعة الموقع الجغرافي للقرية دوراً كبيراً في الحالة الاجتماعية، وهنا قال: «جميع حقول القرية ومنازلها تطالها أشعة الشمس على مدار ساعات النهار، وهذا انعكس على طبيعة إنتاجها الزراعي وخصوبة تربتها ومناخها الصيفي والشتوي الدافئ، وزيادة نسبة المعمرين إلى ما فوق المئة عام في القرية».